الرئيسية المقالات مدارات الغداء الاخير..
الغداء الاخير..
خالد محمد هاشم
خالد محمد هاشم

في مثل ظهر هذا اليوم 11/10/1977م، ترك الشهيد ابراهيم الحمدي حراسه يكملون غداءهم ، ولبى دعوة ضيافة لتناول الغداء عند نائبه ، قطع الشهيد طريقه بخطى الواثق بالمضيف بينما كان المضيف يدس القتلة المتعطشين لقتل كل جميل في هذا الوطن في اركان منزله وزواياه المظلمة كظلمة نفسه المنحطة.

اختار باحترافية من ﻻ يجيد الا القتل وﻻ يمتهن سواه ، وصل الشهيد مكمن الغدر وسلم بصفاء نية والقى على قاتليه ابتسامته البرئية ،وصافحهم بيده التي امتدت باحسان اليهم لانتشالهم مرارا - دون جدوى - من مستنقع عيشتهم السافلة واخلاقهم الهابطة ، صافحه القتلة بيد وبالاخرى خنجر سفالتهم ونذالتهم ، تناول الشهيد وجبة الغداء ، ربما انه لم يكملها ، ومن وقتها لم تكتمل للشعب اليمني وجبة وﻻ لقمة عيش وﻻ كرامة..

السفلة يقتلون ضيفهم بسابقة لم يفعلها احد من العالمين ،فللضيف حرمة وكرامة ، رحل شهيدا ولحق الخزي والعار بالمضيف واسرته والقتلة الى يوم الدين .

الحمدي هو الضيف الدائم في قلوب كل ابناء اليمن ، حتى اؤلئك الذين لم يعرفوه ، الحمدي حاضر في الوجدان الشعبي اليمني ، خاصة عند عنفوان الحلم ،وثوران الامل بالمستقبل المشرق ، وحده الحمدي رمز لذلك الحلم والمستقبل ، لهذا كان حضوره الطاغي في الثورة الشبابية الشعبية ، صادم لقتلته فافاقوا على وقع تلك الصدمة وهي تهبرهم : بان كل محاوﻻتهم الدنيئة بطمس معالم انجازه وحكمه قد باءت بفشل ذريع ﻻ يضاهيه الا فشلهم بادارة حكم اليمن ..

الحمدي مواطن يمني بسيط ، عشق وطنه ومواطنه البسيط بصدق ، وتفانى لخدمة شعبه بامانة ، فشغف الشعب به حبا ، فحفر بذاكرته صوره ، خطبه ، وحولها الى حكايات تروى للابناء ، بذكاء يمني فطري ليقاوم كل وسائل القتلة لمحو سيرة الحمدي ، لقد حول الشعب الشهيد الى اسطورة وهو اكثر من اسطورة ، راهن الحمدي على الشعب فما خاب رهانه ، وتشكلت عﻻقة فريدة بين القائد وشعبه ، رابطها المتين حب الوطن والتضحية من اجله والعشق المتبادل ، قدم القائد للشعب النموذج الصافي في العفة والطهر والنقاء وحب الوطن ،فتمثله الشعب بكل خطواته وسكناته .

ان المعجزة الفريدة للحمدي تتمثل بقدرته الفائقة على توظيف وتوجيه قدرات وطاقات كل ابناء الشعب اليمني بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم لخدمة الوطن ، استثار فيهم الروح الحضارية الكامنة فيهم لاكثر من سبعة الاف سنة حضارية ، فكانت النتيجة انجازا حد الاعجاز ، بسنوات ثﻻث ذهل العالم بما حققه الشعب بقيادة الشهيد ، ولعل المعجزة الكبرى للشهيد التي انفرد بها دونا عن القادة السياسيين في التاريخ البشري - حسب علمي - هو ان جعل التنمية المستدامة هما شعبيا جارفا ، ﻻ هما حكوميا فقط ، وعبر التعاونيات كان ابناء الشعب اليمني يتسابقون في البناءوالتنمية ، واصبح انجاز مشاريع المدارس والوحدات الصحية والطرق ومشاريع المياه هي مادة التفاخر بين قرى وعزل ومديريات اليمن ، انخرط الشعب بالتنمية ، وانهمك القائد والثلة المحيطة به بالتخطيط ،فينفذ الشعب بهمة ورغبة طوعية وبسعادة جارفة تلك الخطط والبرامج ، كان الشعب يعيش بنور عبقرية قائده ، وكان اعداء الشعب بظلمات التآمر والحقد يعيشون كالخفافيش ،ويحبكون نسيج غدرهم وعمالتهم كأنثى عنكبوت خلصت توا من اشباع غريزتها القذرة ، يترصدون القائد السائر مع شعبه دون التفات الى جحورهم وربما ذلك خطأه القاتله .

تمر الايام والسنون فيتأكد لليمن وللاقليم وللعالم فداحة الخسارة الكارثية باستشهاد الحمدي ، ها نحن اليوم نبحث في ركام الوطن ، وبين جثث القتلى واشﻻئهم عن تلك الدولة المدنية التي بدأ الشهيد بوضع مداميكها الراسخة ، دولة المؤسسات ، دولة النظام والقانون ، والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية ، اليوم من تآمر على قتله وخطط ونفذ يشعر بفداحة جريمته بحق الشعب اليمني ،بل وبحق نفسه ، وفي مقدمتهم ال سعود الذين امدوا القتلة بالمال ، بل ومدوهم بالبقاء في الحكم لثﻻثة عقود ، ان ما يحدث اليوم في المنطقة هو الثمن العادل لدماء الشهيد الطاهرة البريئة ، انها عدالة السماء فكل القتلة يدفعون الثمن كل حسب جرمه بسفك ذلك الدم الطاهر ، حتى الشعب اليمني يدفع الثمن لانه سكت على قتله ، وقبل وصفق لقاتليه مدة طويلة من الزمن .

لكن هذا الشعب العظيم قد استفاق ولن يرضى الا بعودة الحلم الحمدي ومشروعه الوطني العظيم ،كفارة واستغفارا ، لذلك السكوت والتصفيق ، وتعلم الدرس جيدا ... ﻻ تصفيق لمن ﻻ يستحق ، وﻻ حكم لقاتل بعد اليوم .

رحم الله الشهيد والخزي والعار لقاتليه .

إقراء أيضا