الرئيسية المقالات مدارات عن معاناة العاطلين وخياراتهم
عن معاناة العاطلين وخياراتهم
فائز عبده
فائز عبده

تعدُّ الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، أماً غير شرعيةٍ لكل المآسي التي تجتاح المجتمع اليمني، خلال هذه الفترة العصيبة والاستثنائية، التي تنطوي على الكثير من الاضطراب والانفلات والفوضى، فضلاً عن التعطُّش لسفك الدماء، واستغلال الحاجة، والتلاعب بعواطف البسطاء ومصائر المواطنين.

فالوضع الاقتصادي المتردي، الناجم عن تداعيات الأزمة السياسية، أنتج كثيراً من المآسي والكوارث، وحالات البؤس في أوساط اليمنيين، الذين باتوا أرقاماً ومعدلاتٍ لظواهر البطالة والفقر وسوء التغذية، ومؤشرات المجاعة التي تتزايد مخاطرها مع تصاعد أعداد الجوعى وفاقدي الأمن الغذائي.

ولئن كانت هذه الصورة المأساوية تجمع في إطارها معظم اليمنيين، إن لم يكن كلهم، فإن مركز الصورة يضمَّ كل من فقد عمله ومصدر دخله جراء الأزمة، بحيث أضحت معاناته مزدوجةً؛ باعتباره متضرراً، كسائر اليمنيين، من ارتفاع الأسعار وغيره من مظاهر الأزمة الاقتصادية، إضافةً إلى كونه لا يمتلك دخلاً يعيش عليه ومنه.

لا شك أن العاطلين عن العمل بسبب الأحداث الأخيرة التي أوقفت كثيراً من المؤسسات والشركات الإنتاجية، وأغلقت العديد من المحلات التجارية والورش، يعيشون وأسرهم أوضاعاً معيشيةً سيئةً، ويمرون بظروفٍ إنسانيةٍ بائسةٍ، نتيجة افتقارهم إلى مصادر دخلٍ توفِّر لهم احتياجاتهم ومتطلبات عيشهم، وتمكِّنهم من الوفاء بالتزاماتهم المالية المختلفة.

ويضطرُّ هؤلاء لمواجهة العجز عن تلبية احتياجات أسرهم، من خلال التصرف ببعض ممتلكاتهم؛ حيث تجبرهم الحاجة على بيع بعضٍ من أثاث المنزل أو الحلي أو أيّ مقتنياتٍ، من أجل توفير الأكل أو العلاج، أو لتسديد الإيجارات. ومنهم من لا يجد أو لم يعد لديه ما يبيعه في سبيل إنقاذ نفسه من مأزق الحاجة والعجز، فيلجأ إلى وسائلَ وأساليبَ أخرى للحصول على المال؛ كالتسوُّل أو استجداء صدقات المحسنين في المساجد.

أكثر من ذلك، فإن الأوضاع المتأزمة والظروف الإنسانية الصعبة الناتجة عن حالة الصراع السياسي والاقتتال والحروب الدائرة في البلاد، دفعت الكثيرين إلى اتخاذ قراراتٍ صعبةٍ إزاء ما يرون أنه حلٌّ لما وصلوا إليه من حالةٍ معيشيةٍ، وذلك لصعوبة الخيارات الممكنة في هذه المرحلة. كما أجبرت تلك الأوضاع والظروف كثيرين على ممارسة أعمالٍ خطيرةٍ، بسبب ندرة البدائل المتاحة في ظل الركود الاقتصادي، وغياب الأمن، وانعدام معظم مظاهر الدولة.

فلقد ذهب بعض العاطلين عن العمل، إلى الالتحاق بعصاباتٍ مسلحةٍ تمارس أعمال السطو والسرقة، أو الانضمام إلى أحد طرفي الصراع المسلح: اللجان الشعبية التابعة لجماعة الحوثي، أو المقاومة الشعبية في المحافظات التي تشهد مواجهاتٍ بين الطرفين. ولن يكون تنظيم القاعدة، أو أيٌّ من التنظيمات المماثلة، غائبةً عن استثمار هذه الظروف، من خلال استقطاب الشباب إلى صفوفها؛ استغلالاً لظروفهم المادية، وحالتي الفقر والفراغ اللتين يعيشونهما.

كما أن العجز عن تلبية احتياجات الأسرة، بسبب فقدان العمل، أو تقليص الرواتب، يخلق خلافاتٍ بين الزوجين، تتطور في بعض الحالات، إلى الطلاق، بما يحمله من آثارٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ على كل أفراد الأسرة، وبخاصةٍ منهم الأطفال. ويُخشى من أن يؤدي التفكك الأسري، في أسوأ صوره، إلى تشرد الأطفال وانحرافهم، ولجوئهم إلى مسالكَ سيئةٍ توصلهم إلى حياةٍ مستقبليةٍ غير سويةٍ، بسبب غياب الرعاية والمتابعة من قبل الوالدين.

ومثلما تحدث خلافاتٌ داخل الأسرة الواحدة، تتوتر العلاقات بين الأسر، أكان في إطار الجوار أو القربى، حيث تنشأ حساسياتٌ، وتنشب شجاراتٌ، من الممكن أن تكبر وتتحول إلى مشاكلَ وخصوماتٍ تتولَّد منها تداعياتٌ خطيرةٌ على العلاقات الاجتماعية والسلم العام، في مجتمعٍ تعتصره نتائج ومآلات الصراع السياسي، وتناقضات الأطراف المتحاربة، ولا تنقصه مشاحنات الأفراد والأسر، في مرحلةٍ تتطلَّب التكاتف والتعاون والتوحُّد، للحفاظ على البلد من التشرذم، وعلى النسيج الاجتماعي من التمزق.

ومن المؤكد أن هنالك نماذجَ كثيرةٍ لمثل هذه الحالات من الخلافات التي تحدث بفعل الآثار النفسية والاقتصادية والاجتماعية، المترتبة على الوضع المعيشي البائس والمأساوي للعاطلين عن العمل، في ظل الأزمة المتعددة الأوجه، التي تشهدها البلاد. على أن تلك الآثار السلبية تكاد تلحق معظم اليمنيين، ولا تقتصر على المتضررين المباشرين من الأزمة.

لكنَّ هنالك وجهاً مشرقاً لحال المجتمع اليمني، إبان الأزمات والكوارث، ومنها ما نعيشه هذه الفترة. يتجلَّى ذلك في صورةٍ بهيةٍ من التكافل والتعاون والتعامل الإنساني الذي يبديه الكثير من أفراد المجتمع الميسورين، الذين يتفقدون المحتاجين، ويقدمون ما استطاعوا لمساعدتهم على العيش حتى بالحد الأدنى من متطلبات الحياة. إذ إن التكافل الاجتماعي يخلق حالةً إنسانيةً ووجدانيةً تساهم في تمتين التماسك المجتمعي، وتقوية عرى التواصل، وتعميق العلاقات الاجتماعية، وتجسيد القيم الإنسانية.

فالمساعدات المادية والعينية، التي يتلقاها المتضررون من الأزمة، وبخاصةٍ من فقدوا أعمالهم ومصادر دخولهم، حالت وتحول دون تعرض كثيرٍ من الأسر إلى الهلاك أو الضياع والتشرد أو التشتت أو الانحراف، أو أية نتيجةٍ كارثيةٍ قد تنزلق إليها بسبب الحالة المعيشية المتردية التي صارت إليها.

[email protected]

   

إقراء أيضا