الرئيسية المقالات مدارات وداعا قديس الناصريين
وداعا قديس الناصريين
د. عبدالله الخولاني
د. عبدالله الخولاني

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ودَّع الناصريون عصر يوم الخميس الموافق 1/12/2015 القائد المناضل عبد الوالي الخرساني إلى مثواه الأخير؛ بعد رحلة طويلة من النضال في صفوف التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، جسد خلالها –عمليا- قيم ومبادئ الثورة العربية، التي نهلها من معين الناصرية المنتمي إليها تنظيميا في العام 1975.

منذ تكحلت عيناه بنور الدنيا عام 1958 في مسقط رأسه بقرية الذخف- قدس- مديرية المواسط –محافظة تعز، تربى المناضل عبد الوالي الخرساني في بيئة تعانقت فيها العروبة والإسلام، في بيت علم لا يعترف بالفواصل التي حاول أدعياء الإسلام وأعداء العروبة اختلاقها، تشويها للإسلام وقهرا للعروبة. لذلك بمجرد بلوغه سن السابعة عشرة سرعان ما سلك السبيل إلى الناصرية، الذي ساهم في شقه وتعبيده العديد من أبناء قدس، بمعية القائد المؤسس الشهيد عيسى محمد سيف، لدرجة بات يُضرَب بأبناء قدس المثل القائل: "يولد القدسي ناصريا بالفطرة وإن حاول التخفي".

خلال مشواره النضالي الطويل اختار المرحوم عبد الوالي الخرساني لنفسه حياة القديسين زاهدا بزخرف الدنيا، ومبتعدا عن سراب المناصب الوظيفية العليا، التي دنستها عصابة اغتالت مخالبها الآثمة بناة المشروع الحضاري العربي الناصري في اليمن، بقيادة الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، الذي كان قد استبق بناء الدولة المدنية، بالشروع في القضاء على البيئة الحاضنة للفساد في أجهزة الحكومة، من خلال لجان التصحيح التي كان القديس الخرساني واحدا من أعضائها.

بعد اغتيال حلم اليمنيين، لم يُصَب القديس باليأس، وإنما ازداد إصرارا على ضرورة إكمال المشوار الذي دشنه الشهداء الناصريون في النضال من أجل تحقيق ما بذلوا دماءهم وأرواحهم من أجله، متخذا مهنة التدريس منطلقا لمسيرته في إعادة البناء التنظيمي في منطقته (قدس)، بعد أن أعد مع أخوته الناصريين هناك برنامجا للتربية التنظيمية، والتثقيف الفكري والسياسي، لحماية طلائع شباب المنطقة من رياح الرجعية الخبيثة التي دمرت كل جميل، بعد إجهاض حركة 15 أكتوبر الناصرية عام 1978 التي تلت استشهاد القائد الناصري إبراهيم الحمدي بعام واحد.

ويمكن تجميع وتصنيف المهام الكثيرة التي أنجزها القديس الخرساني خلال عمره النضالي الممتد لأربعين عاما بالتمام والكمال في ثلاثة أوجه على النحو الآتي:

الوجه الأول: تربية وتثقيف طلائع الناصريين الشباب في منطقته (قَدَس) والتي أصبحت –بفضله- معينا لا ينضب من المثقفين الثوريين، ظل عبد الوالي الخرساني باستمرار يرفد بهم الحركة الناصرية، متخذ مدرسة (القُدْس) التي أسسها وأدارها خلال مرحلته النضالية الشاقة مصنعا لإنتاج الكوادر، التي باتت اليوم تتبوأ موقع قيادية في الصفوف الأولى للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري.

الوجه الثاني: المحافظة على حيوية ونشاط الكيان التنظيمي الناصري بكل أركانه الفكرية والسياسية والتنظيمية خلال العقد الثامن من القرن الماضي، ووقايته من أي تشويه أو انحراف، خلال حقبة الشتات التي كان أغلب من بقي على قيد الحياة من قيادات التنظيم إما في غياهب معتقلات النظام الرجعي، أو في منافيهم الإجبارية، خارج الوطن.

الوجه الثالث: حماية الهوية الناصرية للدائرة الانتخابية رقم (66) من الاختراقات المتكررة التي كان يقودها المتساقطون في أوحال المخلوع علي عفاش. فظلت الدائرة وستظل دائرة انتخابية ناصرية بامتياز.

على الرغم من أن قلب القائد القديس عوَّد أعداء الناصرية قبل أصدقائها على صلابته وقدرته على تحمل كل التحديات والصعاب التي اجتاحت الوطن عموما والناصريين على وجه الخصوص، خلال حقبة المواجهة مع القوى الرجعية، لكن هذا القلب العظيم لم يستسغ نزيف الدم اليمني بأيد تدعي أنها يمنية، ولم يتحمل حجم الدمار الذي ألحقه المقامرون بالبلاد أرضا وإنسانا وقيما وآمالا، فبدأ يعبر عن رفض ما يجري باضطراب وجيبه الحزين. وعلى الرغم من محاولة منعه عن التوقف، فقد سرت إرادة الله في إنقاذ صاحب القلب الطاهر من معايشة مرحلة قادمة تختلط فيها الأوراق وتتداخل الخنادق، وتتساقط أوراق التوت عن عورات الانتهازيين. وليظل الخرساني قديسا لا تلوثه قذارات المناطقية أو المذهبية، رفعه الله إلى جواره عصر يوم الخميس - الأول من ديسمبر الجاري- ليحتل مرتبه إلى جوار الأنبياء والشهداء والصديقين، مورثا للناصريين تركة من النضال والقيم ، التي أرساها القديس الخرساني من خلال تعاملاته عبر سني عمره، مضيفا إلى الكوادر الناصرية أربعة من الأبناء وثلاثا من البنات، نسأل الله أن يكونوا خير خلف لخير سلف.

تغمد الله روح القديس عبد الوالي الخرساني بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه، وألهم أهله الناصريين وأقرباءه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون

إقراء أيضا