أمراء الحروب
صادق ناشر
صادق ناشر

مرة بعد أخرى يثبت صناع الحروب أن مشروعهم في الخراب والتدمير ليس الحل الأمثل لمشاكل المنطقة، تبدو هذه القضية ماثلة أمامنا في الحلحلة السياسية للأزمة في سوريا التي أخذت مداها من الدمار في النفوس والإمكانيات المادية، والحال نفسها تكاد تكون بارزة في ليبيا التي انهارت في سنوات قليلة وهي التي كانت تعد واحدة من الدول الغنية في الوطن العربي.

ومن المؤسف أن بعضاً من أمراء الحروب في البلدان التي شهدت موجة ما يسمى «الربيع العربي» لم يتعظ مما حدث في العراق وسوريا وليبيا فواصلوا عملية التدمير والتخريب وما زالوا غير مستعدين للتنازل لبعضهم بعضا لإعادة الاستقرار إلى بلدانهم، كما هو حاصل اليوم في اليمن، فيما القلوب معلقة في تونس خشية أن تنزلق إلى ما انزلقت إليه بعض الدول، مع اختلاف الظروف وأبطال الأزمة فيها.

أثبتت الأحداث أن الحوار والجنوح إلى السلم يعد أفضل الخيارات للكثير من القوى السياسية في بلدان هذا «الربيع العربي»، بدءاً من تونس وليس انتهاء في ليبيا، مروراً بمصر واليمن، وإن تفاوت حجم الأزمات والكوارث من بلد لآخر.

المؤكد أن المستفيدين الرئيسيين من الحروب المستمرة في هذه البلدان أطراف داخلية وخارجية، فأمراء الحروب يستميتون في إبقاء خيارات الحرب مفتوحة لأن العديد منهم أثروا ثراء فاحشاً جراء صفقات السلاح التي يتم الحصول عليها من جهات وأطراف عدة لا تريد الاستقرار والسلام للبلاد العربية.

وقد اكتشف المواطن العربي أن السلام في ظل وجود أمراء الحروب والخراب لن يكون ممكناً، ولهذا يعمد الكثير إلى البحث عن خيارات السلام بعيداً عن هؤلاء الذين أحالوا البلاد العربية إلى أطلال ودمروا الإمكانات الضعيفة أصلاً في بعض الدول وأوصلوا الغنية منها إلى الحضيض، حتى إنها لم تعد قادرة على الإنفاق على مواطنيها.

اليوم ستنطلق جولة جديدة من الحوار بين فرقاء الحرب في سوريا، بعدما اكتشف الطرفان، أو بالأحرى الأطراف المتحاربة، صعوبة حسم الموقف لصالح طرف وأن الخراب لم يعد محصوراً على جهة بعينها، بقدر ما صار خراباً في كل مكان، فيما تحركت الأوضاع قليلاً في ليبيا بالإعلان عن التوافق على تشكيل حكومة لا تزال تنتظر مخاض الميلاد الحقيقي لها، وربما قد يدفع ذلك أطراف الأزمة في اليمن إلى الاقتناع بضرورة ترك التطرف في الموقف والبحث عن حل سياسي جاد بعد أن أفشل أمراء الحروب في الداخل الحلول السياسية التي كانت قد بدأت بها قبل مدة الأمم المتحدة في سويسرا.

الحلول السلمية قد تنجح في حالة تيقن المتحاربون ألا حل لأزمات بلدانهم إلا بالحوار السياسي الذي يجعل الجميع يلتقي على طاولة حوار واحدة، وإذا ما نجح نموذج الحل في سوريا فإن بقية البلاد العربية ستكون على موعد مع حلول مشابهة مع تغير في أشكال الحلول هنا وهناك، لكنها في نهاية الأمر قد تنجح في وقف هذا الخراب والدمار الذي يلف المنطقة منذ عدة سنوات، أما في حالة إخفاق الحل في سوريا فإن ذلك قد يزيد من فاتورة الخراب الذي تدفعه المنطقة منذ سنوات طوال ويقود الناس إلى فقدان الأمل في أي حل.

 

الخليج

إقراء أيضا