الرئيسية المقالات مدارات اليمن: أزمةٌ مستدامةٌ أفضت إلى حربٍ لا يمتلك طرفٌ بعينه قرارَ إنهائها الآن
اليمن: أزمةٌ مستدامةٌ أفضت إلى حربٍ لا يمتلك طرفٌ بعينه قرارَ إنهائها الآن
محمد عبد الوهاب الشيباني
محمد عبد الوهاب الشيباني

عمل الوعيُ السياسيُّ المرتبك على إنتاج منظومةِ حكمٍ اعتمدتْ على تقسيم اليمن إلى ثنائيّاتٍ متعارضةٍ لم تسمح بمقاربتها بالدرس والتحليل في أكثر المنعطفات دمويّةً. أمّا أكثرُها اختزالًا فهي ثنائيّة "الجغرافيا والمذهب" في اليمن المجزّأ، وأضيفت إليها ثنائيّةُ "الأصل والفرع" في اليمن الموحَّد. هذه الثنائيّات أنتجت تفريعاتِها "الظلّيّة" النشطة، التي كانت تبرز مع كلِّ أزمةٍ تدخلها البلادُ، وأفضت منذ قرابة عامٍ إلى حمّام الدم هذا، الذي تقول القراءاتُ المتعدّدة إنْ لا أحدَ بعينه يمتلك قرارَ وقفه حتى الآن.

وفي السياق سيكون الأكثرَ تجسيمًا وضعُ اليمن الشماليِّ، الذي نال استقلالَه مباشرةً بعد خروج الأتراك، بعيْد الحرب العالميّة الأولى (1918)، وترتّبَ على ذلك إخضاعُ اليمن الأوسط ببواطنَ عسكريّةٍ واضحةٍ لصالح السلطة الناشئة في صنعاء. وهذه السلطة تسلّمت الحكمَ بما ترتّبتْ عليه نصوصُ "صلح دعان" التي أعطت الإمامَ يحيي سلطاتٍ دينيّةً وإداريّةً على المناطق الزيديّة فقط، لكنّه استطاع فرضَ سلطاته المطلقة باستمالة مشايخه ووجهائه عبر وظائفَ إداريّةٍ ومواقعَ قياديّة، قبل أن تتمَّ إزاحتهم نهائيًّا بتولّي رموزٍ هاشميّةٍ (زيديّة) إدارةَ المناطق السنّيّة في تعز وأب والبيضاء وتهامة.

 تعييناتٌ بهذا الوضوح شكّلتْ بداية الهتك الصريح للمسألة الوطنيّة، ليتعاظمَ مع مرور الوقت شعورُ أبناء هذه المناطق بالتمايز الذي تفرضُه سلطةٌ انغلاقيّةٌ مستبدّة، تتحكّم بمصائر الجميع من موقع الاصطفاء السلاليّ. سلطةٌ عزّزت حضورَ "اليمن الأعلى،" حيث يسود المذهبُ الزيديّ مستفيدًا أوحدَ. فمقابل الإمام والسيّد والعسكريّ، ثمّة رعويٌّ وفلاحٌ ومهاجرٌ وعاملٌ يُعتاش من كدِّهم وشقائهم. لهذا حين ظهرتْ حركةُ الأحرار اليمنيّين تقدّمتْ صفوفَها رموزٌ ثقافيّةٌ وقبليّةٌ وتجاريّةٌ من "اليمن الأسفل." وحين قامت ثورةُ سبتمبر 1962 كان أكثرَ مَن دافع عنها أبناءُ هذه المناطق لأنّها مثّلتْ للجميع فرصةً تاريخيّةً لصياغة دولة المواطنة على قاعدة التشارك والمساواة. غير أنّ هذا الحلم سيتبدّد بعد وقتٍ قصيرٍ حين تكشّف للجميع أنّ الإزاحات المتعاقبة للخطّ الجمهوريّ ولطاقته الشابّة، التي كانت أحداثُ أغسطس 1968 تعبيرًا واضحًا عنها، جاءت بغرض إعادة ترتيب السلطةِ داخل بنيتها الطائفيّةِ الصلبة، وإنْ تجمّلتْ ببعض رموزِ التيّار المشيخيِّ، وببعضِ سياسيّي "اليمن الأسفل" وعسكره، الذين عبَّروا عن انتماءاتهم من خلال حركة الخامس من نوفمبر 1967 التي مثّلت انتصارَ التيّار المحافظ داخل البنية السياسيّة للجمهوريّة الوليدة.

أما الأكثر تعزيزًا لهذا الخطّ فستكون المصالحة الجمهوريّة ـــ الملكيّة التي رعتْها، مطلعَ السبعينيّات، السعوديّةُ، وقد باتت اللاعبَ الرئيس الأوحد بعد انسحاب الجيش المصريّ، مستفيدةً من نتائج الضربات الماحقة التي وجّهتْها طوال سبعة أعوامٍ إلى مشروع التحوّل الذي بشّرتْ به ثورةُ سبتمبر. وهو ما جعلها قادرةً على فرضِ سياساتها وأيديولوجيّتها الدينيّة بغير إرهاقٍ، ولو بالمال السياسيِّ الذي أُنفق على المشايخ والضبّاط وكبار الموظّفين، الذين فتحوا البلاد برمّتها، لتستنبتَ فيها أدواتِها التقويضيّة لمشروع الثورة: بدءًا من خلق تعليمٍ دينيٍّ موازٍ للتعليم العامّ (المعاهد الدينيّة)، مرورًا بجعل انقسام المجتمع ثقافيًّا أمرًا بائنًا، وانتهاءً بخلق سلطةٍ هشّةٍ موالية.

وخلال عقدين كاملين سيتقوّى تآلفُ سلطةٍ استبداديّة، مكوَّنٌ من الزعامات القبليّة وضبّاطِ جيشٍ موالين ورجالات دينٍ متشدّدين. وستتعزّز أدواتُ حكمهم من خلال استقرارٍ اقتصاديٍّ نسبيٍّ بفعل الطفرة النفطيّة التي شهدتْها المنطقةُ بعد حرب حزيران 1973.

لكنْ، قبل ذلك، لا بدَّ من الإشارة إلى تخلّق حالةٍ جديدةٍ داخل الجيش، بعد أن ضربت الفوضى كلَّ شيءٍ في البلاد، أفضت إلى حركة الثالث عشر من يونيو 1974، التي قادها إبراهيم الحمدي وخليطٌ من الضبّاط ذوي الانتماءات المختلفة. وفي ثلاث سنواتٍ ونيّف، قدّم الحكّامُ الجدد أنموذجًا خارج رغبةِ "الشقيقة" وحساباتها، مستفيدين من النزوع الشعبيِّ الجارف إلى استعادة ثورته وقرارِه السياسيِّ الذي اختطفته تلك الشقيقةُ أو حلفاؤها. فدفع الحمدي حياته ثمنًا لمغامرةٍ شديدة الخطورة استهدفتْ مشروعَ القوى التقليديّة (بجناحيها القبليِّ/الدينيِّ) التي راهنتْ عليه السعوديّةُ سلطةً مستدامة.

 

وفي يوليو 1978 آلت السلطةُ إلى أحد الضبّاطِ الموالين، علي عبد الله صالح، الذي عمل طوال ثلث قرن على بناء سلطةٍ أمنيّةٍ متعدّدة الأذرع، وعلى تطييفٍ أوسعَ لتحالف القوى التقليديّة (مشايخَ وعسكرًا ورجالَ دين) بدلًا من بناء دولةٍ كان قد توفّر الكثيرُ من شروط بنائها آنذاك (مثل الاستقرار الاقتصاديّ والتقاربات بين الشطريْن أثناء مرحلة الحمدي).

أما جنوبُ اليمن الذي نال استقلاله عن بريطانيا أواخرَ العام 1967، فسترتبط مشاريعُ الحكم فيه بتجاربَ يساريّةٍ، أكثرُها تعيينًا كانت تجربة الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ (1978)، الذي لم تكن الروافدُ التأسيسيّةُ له يساريّةً صرفة بل كانت أيضًا قوميّةً شديدة الخصوصيّة. وقد حدث ذلك بعد أن أجرت الفصائلُ التي انضوت تحت مشروعه الوطنيّ الكثيرَ من المراجعات، لتتماهى مع الخطاب اليساريّ الذي حاولت الحركاتُ السياسيّة الحديثة في الوطن العربيّ الاحتماءَ به إثر الانهدام الكبير للحلم القوميّ بعد نكسة حزيران 1967.

خليطُ هذه التوجّهات، التي تطابقتْ مع رغبة قادة الجنوب بمثاليّتهم الثوريّة في إقامة دولةٍ وطنيّةٍ تبارى الجميعُ على تجسيدها، لم تخلُ من لُعبة الدم بين الرفاق، في سبيل تقديمِ حالةٍ مغايرة في بنيةٍ شديدةِ التعقيد. لهذا كانت "جمهورية اليمن الديموقراطيّة الشعبيّة،" التي تحوّلت على مدى عقدين إلى أنموذج دولةٍ أكثر تعيّنًا من نظيرتها في الشمال. غير أنّ هذا التحقين الجاذب لم يخلُ هو الآخر من خضّاتٍ دمويّةٍ عديدة، وضخٍّ أمنيٍّ مرعبٍ في حياة الكثيرين من أبنائها. ولهذا لم تكن أحداثُ يناير 1986 إلّا تتويجًا لمحطّات التنازع على السلطة بين رؤوسٍ متعدّدةٍ، بمحمولاتٍ لم تتخلّصْ من أمراضٍ مناطقيّةٍ تذكّر بالبنية العميقة للمجتمع القبليّ المعقَّد الذي حاول المنظّرون الإيديولوجيّون في الحزب القفزَ عليه قسرًا.

الأحداث هذه كانت أكثرَ الأحداث إيذاءً لروح الحزب، إذ شكّلت المنعرجَ الأخطرَ في بنيته التنظيميّة. ومع ذلك ظلَّ الحزبُ يمثّل، للكثير من اليمنيّين، الملاذَ الأخيرَ للحلم الذي بدأ يتآكل بفعل تماسك القوى التقليديّةِ المتربّصة بحوامل التغيير في الشمال والجنوب.

 دخولُ الحزب في الوحدة الاندماجيّة الفوريّة في مايو 1990، وضمن ظروفٍ عاصفةٍ اجتاحت العالمَ بعد سقوط جدار برلين وتجلّي القطبيّة الواحدة ورواجِ مقولات "نهاية التاريخ" و"موت الإيديولوجيا،" لم يكن هروبًا إلى الأمام، بل كان مدفوعًا بتلك المسحة الثوريّةِ الرومانسيّة التي ارتأت في الوحدة هدفًا إستراتيجيًّا وطنيًّا متوجّبَ التحقيق، كما جاء في شعار الحزب المركزيِّ وأدبيّاته. غير أنّ القوى التي ناصبت الوحدةَ ومشروعَ دولة الوحدة العداءَ منذ اللحظة الأولى عمدتْ، بتطييفها الواسع، إلى نصب عشراتِ الكمائن للحزب بهدف تشتيته، لتصلَ إلى تصفية كوادره، قبل جرِّه إلى مستنقع حرب صيف 1994، التي خاضتها قلّةٌ قليلةٌ من قواته دفاعًا عن الجنوب من الاستباحة.

ارتباطُ قيام الدولة الموحّدة بالتعدّديّة السياسيّة أتاح للكثير من الأحزاب والصحف الإعلانَ عن نفسها في مشهدٍ تبشيريٍّ مختلف. لكنّ السلطة الغالبة بعد صيف 1994 حوّلتْ هذا المشهدَ إلى لازمةٍ ديكوريّةٍ فارغةٍ لتسويق نفسها في الخارج، باعتبارها حالةً "ديمقراطيّةً" ناشئة، من دون أن تعملَ على تقوية حضورها في الحياة العامّة؛ بل الواقع أنّها عمدتْ إلى إضعاف الأحزابِ ـــ إمّا بشقّها وتفتيتها، أو بتأبيد قيادتها الديكتاتوريّة التي دخل الكثيرُ منها في شبكاتِ مصالح مع النظام.

في مطلع الألفيّة، برزت التعارضاتُ الحادّةُ بين رأس الحكم وحلفائه، بعد أن أدرك أصدقاءُ الأمس أنّ صالح يبني مشروعَه الخاصَّ في الحكم، ويحاول توريثه على حساب الجميع، الذي بدأ صالح بتحييدهم أو بالتخلّص من أقويائهم في حوادثَ متفرّقة.

سيشهد العقدُ الأولُ من الألفيّة أوسعَ تحالفٍ سياسيٍّ للمعارضة، لكنّ نقاطَ التقاطع بين أطرافه كانت أكثرَ من توافقات الثقة بينها. وساعد على استمرار هذا التحالف الهشّ تصدّعاتُ بيت الحكم ذاته ـــ ابتداءً من انتخابات الرئاسة في سبتمبر 2006 التي خاضتها المعارضةُ بشخص فيصل بن شملان، حاصدةً صوتًا جارفًا في الشارع، عبَّر عن مللهِ من تأبيد حكم صالح.

تَبع هذه اللحظةَ بروزُ الحراك السلميِّ (مطلعَ العام 2007) الذي اختزل صوتَ المعارضة في الجنوب، المناهضِ لاستبداد المركز الذي مارس إقصاءً للكادر وتجريفًا بشعًا للثروة والمقدّرات في مناطق الجنوب. فارتفعت المطالب: من إصلاح مسار الوحدة، إلى مرحلة فكِّ الارتباط مع ارتخاءِ قبضة السلطة على الملفّين الأمنيّ والاقتصاديّ.

 وحين وصلتْ تباشيرُ "الربيع العربيّ،" صاغ اليمنيّون ربيعًا مختلفًا ابتداءً من فبراير 2011؛ ربيعًا زلزل الأرضَ المائعة تحت أقدامِ الحاكم. وتمكّنت المعارضةُ السياسيّة، وتحديدًا حزبُها الأكبر، "تجمّعُ الإصلاح،" من استحضار السلطة من بوّابة المبادرة الخليجيّة (التي أبقت على النظام وحصَّنتْ رأسَه)، ليلتبسَ بها حدَّ الالتصاق الفجِّ بعد نوفمبر 2011. ولم يعملْ على تهيئة أرضيّةٍ صلبةٍ لمشاركةٍ لا تخدم مشروعَه التمدّديّ في بنية الدولة الرخوة.

 

نزوع التقاسم بين الحزبين الكبيرين ("المؤتمر" و"الإصلاح")، المترافق مع أزماتٍ اقتصاديّةٍ وفسادٍ مستفحل، أتاح لقوًى جديدة/قديمة، صقلتْ مشروعَها المظلوميّةُ التاريخيّةُ وجنونُ الحروب الستّ التي خاضتها ضدَّ النظام في صعدة بين العامين 2004 و2009، أن تقدّمَ نفسَها إلى المجتمع حالةً كفاحيّةً لتخليص البلاد من حالة الخطف الطويلة، كما قالت. واستطاعت خلالَ عامين أن تلتقطَ الكرةَ في ملعبٍ مهيّأ، فتضعَ نفسها بديلًا لكلِّ القوى السياسيّة التاريخيّة والتقليديّة.

هذه القوى، أي الحركة الحوثية، تبيّن خلال الأشهر الأولى من سيطرتها أنّها ليست أكثرَ من واجهةٍ للحلقة الأضيق لنظام صالح، الذي أرادها أن تكون مخالبَ لتصفية حساباته مع خصومه القبليّين والسياسيّين، وللانقلاب على مخرجات مؤتمر الحوار الوطنيّ. وتبيّن أنّها، بالأدواتِ الباليةِ ذاتها، أعادت إنتاجَ الاستبداديْن الدينيّ والسياسيّ، في حياة اليمنيّين بكثيرٍ من العجلة والتهوّر.

 (2)

الآن، وبعد عامٍ ونصف من تكتّل هذه القوى داخليًّا مع نظام علي صالح، يمكن القولُ إنَّه أتيح لطرفٍ خارجيٍّ أن يخوضَ حربَه أيضًا تحت لافتة "دعم الشرعيّة." هذا الطرف يحاول، أصلًا، إبقاءَ الجغرافيا ونظامَ الحكم في متناوله، بعيدًا عن لاعبٍ جديدٍ حاول استعراضَ عضلاته في الحدود الجنوبيّة الرخوة للسعوديّة، في مناورةٍ عسكريّةٍ في مارس 2015، بواسطة قوًى غير محكومةٍ بالعقل السياسيِّ الناضج، مهّدتْ لهذا الزلزالِ الكبير.

يراهن التحالفُ الداخليُّ على إطالة أمد الحرب بضخِّ مئاتِ الشبّان من فقراء الشمال إلى تعز والحدود الشطريّة السابقة في حروب "استردادٍ" مقدّسةٍ، من باب كسب المزيد من الوقت،على أمل أن تتدخّلَ بعضُ القوى الإقليميّة والدوليّة لإنقاذِ ما يمكن إنقاذُه من هيبةِ الجماعة "التي لا تُقهر،" أو لجعل صالح في وضعٍ تفاوضيٍّ أفضل للخروج الآمن بعيدًا عن الملاحقة والاقتصاص.

الرصيد الذي يستنزفه تحالفُ الحرب الداخليّ يوميًّا، بحصار المدن وتجويعِها وتعطيشها وقصفِ الأحياء السكنيّة (أنموذج تعز) والتخديرِ الإعلاميّ بالصمودِ الأسطوريّ للشعب المغلوب (الذي ينفقُ وقته في طوابير الغاز والماء والبترول وبوّابات مراكز الإغاثة)، يقول إنّ اللاعقلَ السياسيّ وشهوةَ الانتقام هما المشغّلُ الفعليُّ لهذه المغامرات، لا إستراتيجيّاتُ إدارة الحرب والأزمات.

لم يعد تحالفُ الحرب الداخليِّ هو مَن يمسكُ بزمام المبادرة، بعد فقدانه الكثيرَ من المواقع المهمّة على الأرض في الجنوب ومأرب والشريط الغربيّ الساحليّ لتعز وحجّة. وحدها السعوديّة غدت اللاعبَ الرئيسَ في البلاد، كما هو الحال طوال السنين الخمسين المنقضية؛ فالمالُ والقوّةُ العسكريّة وحلفاءُ الداخل، وانشغالُ حلفاء الحوثيّين وصالح الإقليميّين والدوليّين (إيران وروسيا) في معركتهم المقدّسة في سوريا، كل ذلك يجعل الملفَّ اليمنيّ سعوديًّا خالصًا.

السعوديّة ستعمل بكلِّ الوسائل للخروج بانتصارٍ واضح، مهما بهظتْ تكاليفُه وذاق اليمنيّون من جرّائه الويلاتِ. فالانتصارُ غير الكامل سيكون كأسَ السمِّ الأخيرة، التي ستعرِّض الأسرةَ الحاكمة للانقسام، وستعرّض الجغرافيا التي أقامت عليها دولتَها "الأصوليّة" بالحيلة للتفكّك.

في سبيل "نصرٍ" كاملٍ ومكلفٍ، ستدمِّر السعوديةُ كلَّ شيءٍ في هذه البلاد، ولن تعمِّر شيئًا في المستقبل. وفي سبيل وهمِ "الصمود،" سيضحّي تحالفُ الحرب الداخليّ بكلِّ شيءٍ امتلكه اليمنيّون بكدِّ السنين. والضحايا وحدهم هم بسطاءُ هذه البلاد وفقراؤها، الذين تقذف بهم آلاتُ الحرب العمياء إلى ما هو أبعدُ من الحياة. إنّها حربٌ صار واضحًا أنّ أحدًا لم يعد قادرًا على وقفها قبل أن تنضجَ ظروفُ إيقاف نظيرتها السوريّة

حربٌ أنتجتْ طبقتَها العابرةَ للطائفة والجغرافيا والتراتب الاجتماعيّ، الصاعدةَ بقوة الصاروخ المعتاشة من أوجاع البلاد وتشظّيها، والتي لا تريد لأصوات الرعب أن تصمت، ولا لرائحةِ الموتِ أن تنطفئ، لأن ذلك هو الشريانُ الممتلئ الذي يمدُّها بالحياة.

مجلة الاداب

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي