الرئيسية المقالات مدارات كيف ستعيد السعودية ترتيب تحالفاتها السياسية في اليمن بعد الحرب ؟!
كيف ستعيد السعودية ترتيب تحالفاتها السياسية في اليمن بعد الحرب ؟!
محمد عبد الوهاب الشيباني
محمد عبد الوهاب الشيباني

سياسة النفَس الطويل، التي تتبعها السعودية في حربها ،نابعة من شيئين اثنين ،اولهما انها صارت مطمئنة تماما ان الملف اليمني، بكل تفاصله الامنية والسياسية صار من جديد بيدها، ولاينازعها طرف آخر فيه. وثانيهما عدم استعجالها في بناء قواعد تحالفات (جديدة)، في بلد هي اعلم كيف تدير وضعه، وتسيير نخبه منذ خمسة عقود بطريقة الجزرة والعصا !!.

فاطمئنانها بكونها اللاعب الاول، على الساحة، يمكن قراءته من مآلات وضعي سوريا واليمن، فاختراقات النظام السوري لعمق معاقل المعارضة في الشمال والجنوب والساحل، بمساعدة روسية، قابله تقدم واضح لقوات الشرعية (المدعومة سعودياً) على الارض في اخطر المواقع في اليمن (مأرب والجوف وحجة وتعز) بعد تحرير المناطق الجنوبية، ولا يشير ذلك الا الى اتفاق مضمر بتقاسم الملفين بين قوتي الاقليم الفاعلتين ايران والسعودية، على قاعدتي المصلحة والجوار، حتى وان بدت الصورة ملتبسة للمتابع العادي، بفعل التراشقات الاعلامية، التي تبدوا انها تعمل على طريقة ذر الرماد في العيون، لا في مساقات المضمر والمخفي من الاتفاقات، التي تدير تفاصيلهما القوتان الرئيسيتان في العالم، الداخلتان في صلب المعركة واعني (امريكا وروسيا)!!

اقرب السيناريوهات وضوحاً حتى الان، ان الترتيبات السياسية ، كما تأمل وتعمل جميع الاطراف الوازنة من لقاء الكويت المقبل، ستتم على قاعدة خلق توازنات جغرافية واقتصادية ومذهبية بتمثيلات متعددة، تحفظ للدولة (الاتحادية) شكلها الديكوري، مع حضور هلامي للقوى السياسية الممثلة للبنى الاجتماعية المتشظية في البلاد، وليس التفاهمات السعودية الحوثية (اللقاءات الامنية وعملية نزع الألغام وتبادل الاسرى) الا تعبيرا حساساً لما سيكون عليه وضع الحركة الحوثية، التي صارت تراها الديبلوماسية السعودية (بعد عام من الاقتتال ) جزءا من الحل السياسي، لأنها في نهاية المطاف،لم تزل تعبر عن قوى اجتماعية ومذهبية فاعلة في جغرافية الشمال المغلق. فالحوثية السياسية ،وليس الميليشاوية التي يستخدمها حليف الداخل (علي صالح) وحليف الخارج (ايران) ،هي جزء غير مغفول من الحل السياسي في اليمن، كما قال صراحة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ومندوب السعودية في الامم المتحدة عبد الله المعلمي (قبل تسريب موضوع اللقاءات الامنية السعودية الحوثية بيومين فقط خلال الاسبوع الثاني من مارس 2015).فعلي صالح يمثل المشروع الفردي، الذي يكابد من اجل استمرار حضوره على حساب الجميع، وهو الموقن بالزوال. اما المشروع الحوثي من وجهة النظر السعودية هو مشروع (جمعي) لفئة اجتماعية واسعة ومؤثرة ( فئة الهاشميين بكل تطييفها،والذي ابانت احداث السنوات الماضية، مدى تعصب الشريحة الاكبر فيها، فوجدت في الحوثية كحركة سياسية وعسكرية، القوة القادرة على التعبير والدفاع عن مصالحها بكل وضوح وقوة) .

ستعيد السعودية ايضا ترتيب تحالفاتها القبلية ليس، بالضرورة، اعتمادا على بيوتات المشيخ التقليدية التي ارتبطت بها تاريخيا في الشمال، اذ ستكتفي في الغالب بدور الحوثيين في هذه المناطق مستقبلاً، لأنها ستكون فد تمددت قبليا الى الجنوب وحضرموت ومأرب والبيضاء، ولن تسلم من هذا التمدد تعز!!بخلق رموز مشيخية ستخرج ملمعة من معمعة الحرب. صحيح ان هذه الرموز ستعبر بأشكال متعددة عن حضورها السياسي في اطار القوى الدينية السنية (الاصلاح وحزب الرشاد السلفي) لكنها ستعبر عن وجودها القبلي، المرتبط مباشرة بالسعودية بوضوح !!

التشتت الذي يعيشه الحراك الجنوبي بطرفيه (المسلح والسلمي)، برغبة منها، ستتعاطى معه كفزاعة لتقليم مخالب القوى التي ستحاول التهام اكثر من حصتها من كعكة التسوية التي ستطبخها بكثير من التأني ، في ذات الوقت سوف تستخدم القوى الاخرى (القاعدة واخواتها) ككابح لنزوعه الانفصالي ،وتطرفه، حتي يستبين ما سيؤول اليه شكل الدولة، في اطار وضع المنطقة ككل بعد هذا الزلزال.

ستُبقي السعودية على القشرة الخارجية لمسألة التعددية السياسية، بإدامة حضور الاحزاب (التقليدية) في المشهد ، دون مشاركتها الفاعلة في دائرة القرار، مع اعطاء ادوارا (للناصريين) الذين حضروا بقوة كداعمين للتحالف والشرعية ،على حساب الحزب الاشتراكي اليمني، الذي تقول القراءات انه سيخرج منها بتشظ مؤلم، بسبب موجة الانقسام التي تجتاحه!!

اما الحزبان الكبيران، في مرحلة ماقبل الحرب (المؤتمر والاصلاح)، سيخرجان منها اكثر ضعفا وهزالا، فالأول بسبب تقسيمه الى كتلتى الداخل (التي استعرضت بحشودها في ميدان السبعين صبح 26 مارس) و التي لم تزل تدين بولائها للرئيس السابق، ويتملكها الاعتقاد بان حظوظ الحزب لم تزل قوية في الامساك بقليل من السلطة، اذا ما حافظت على تماسكها التنظيمي وادوات خبراتها التاريخية في ادارة الازمات والتحالفات ،وذراعها العسكري الذي تقاتل به في معظم الجبهات.وكتلة الخارج التي تراهن على اسنادات التحالف في دعمها لتكون الوارث لمخلفات بنية الداخل في حال تفكيكها .اما حزب الاصلاح، وبسبب الارتياب المتعاظم من تاريخ تحالفاته السياسية من معظم القوى والضربات الكثيرة التي تعرض لها، سيفرض عليه ان يكون لاعب غير وازن ومسيطر، الا بحدود ما قدمه من تضحيات في مناطق تعز ومأرب والبيضاء، مع اعطاء السلفيين ادوارا معلومة على حسابه،بسبب ان اهم ثاني دول التحالف (الامارات) صار رهانها على السلفيين كبيرا، وتقوم بتسويقهم بذات كيفية تسويق حزب النورالسلفي في مصر .

وحتى يتم كل ذلك، وبغطاءات متعددة ستضرب السعودية، بكل قوة لإضعاف كل الاطراف، وتجريدها من عوامل قواتها العسكرية (صالح والحوثيين الاصلاح ) وما تبقى من القوة السياسية (للأحزاب والمكونات الاخرى)،حتى تضمن في المستقبل، ان لا احد باستطاعته الخروج من بيت الطاعة، كما حاول الحوثيون وصالح فعله بالاتجاه شرقاً الى طهران، وما حاول فعله فبلهم حزب الاصلاح، حين اختار في ذروة الربيع العربي محور انقرة /الدوحة/ قاهرة مرسي.

وستكون بذلك اكثر اطمئناناً لمصالحها، في بلد سيعاد صياغة وجوده السياسي ،بمزاج اقرب لما سيكون عليه الحال في سوريا (كدولة اتحادية او فيدرالية) ،لان نخب الحكم فيه ستواصل رهن مصير البلاد بأجهزة الجارة الامنية والاستخباراتية، تماما كما فعل من سبقهم في اليمن المجزأ منذ 1970 واليمن الموحد منذ العام 1990.

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي