في دمشق قلب العروبة وضميرها والحاضن للمقاومة وللمناضلين القوميين واليساريين العرب، الذين حرصاً على حياتهم وكرامتهم وإنسانيتهم من بطش وجبروت حكامهم هربوا بأرواحهم الى حضنها الذي أعطاهم الأمان وحرية الحركة والعلم والعيش بكرامة، ومن هؤلاء المناضلين العرب الذين لجاؤوا الى دمشق الرئيس علي ناصر محمد والرائد عبدالله عبدالعالم والمناضل القومي الشهيد عبدالرقيب محمد عبدالرحمن القرشي ال
ذي عاش في دمشق ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن وخلال كل هذه المدة لم يشعر بالتمييز والملاحقة والتهديد، ومع ذلك كانت بلاده- اليمن- في عقله وروحه، ولهذا ولأن رئيس الجمهورية الذي طلبه العودة بضمانة شخط الوجه ضرب -القرشي- عرض الحائط بكل الاعتبارات والحسابات السياسية والأمنية، ففي 6 يونيو 2010 رجع إلى صنعاء، وفي يوم الجمعة يونيو25 تم إسعافه الى مستشفى الشرطة بسبب إصابته إصابة بالغة في الرأس نتيجة عيار ناري أطلق عليه، ولكي يموت بعيداً عن مسرح الجريمة وبعيداً عن أهله وزملائه ورفاقه، وبعيداً عن مسؤولية الدولة فقد نقل يوم الأربعاء 7 يوليو 2010م الى دمشق، وفي مساء الثلاثاء الموافق 27 يوليو 2010م وبعد صراع مع الألم انتقل الى رحمة الله شهيداً، راجياً من الله أن يوفق حكومتنا بإلقاء القبض على العصابة المسلحة التي بطريقة الغدر والخسة والنذالة أطلقت عليه الرصاص وهو عائد من صلاة الجمعة الى الفندق وبرفقته ثلاثة من أولاده وحارسه الشخصي المكلف من الدولة بحراسته وحمايته باعتباره في رعايتها وحمايتها وضيافتها.
كان المناظل القومي الشهيد عبدالرقيب القرشي وبسبب أحداث الحجرية التي وقعت في مايو 78م التي تم فيها - في سياق مخطط بدأ تنفيذه عملياً في 11 اكتوبر 77م- إقصاء الرائد عبدالله عبدالعالم من السلطة وتصفية وقتل واعتقال واغتيال عدد من مشائخ ووجهاء محافظة تعز، الذين كان بعضهم أعضاء في التنظيم الناصري (سواءً الأصل أو الغطاء) ويرتبطون بعلاقة ممتازة بالمقدم إبراهيم الحمدي والرائد عبدالله عبدالعالم، الذي وبناءً على برنامج حركة 13 يونيو في تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع طلب من الحمدي مساواة مشائخ محافظة تعز بمشائخ الشمال، وبناءً على ذلك اعتمد الحمدي الطلب وأمر بصرف مرتبات شهرية لهم، ومن مخازن سلاح قوات المظلات صرف الرائد عبدالله عبدالعالم لعدد من مشائخ شرعب وماوية ومشائخ ما كان يسمى بمناطق الأطراف السلاح تحت مبرر مواجهة (المخربين)، وهذا في الواقع دليل على الثقة المتبادلة بين الطرفين، وفوق ذلك ولكي نؤكد على تلك الثقة وعمق العلاقة والمكانة الرفيعة التي كان يحتلها مشائخ ورجال أعمال محافظة تعز لدى الحمدي وعبدالعالم، وباعتبارهم يمثلون المحافظة في التوازن القبلي والتيار الشعبي لحركة 13يونيو، فقد ضم الوفد -الذي كان مقرراً نزوله برئاسة الحمدي الى عدن للمشاركة في احتفالات الذكرى الرابعة عشرة لثورة 14 اكتوبر وحضور حفل التوقيع بين الرئيسين الحمدي وسالمين على إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بناءً على لقاء قعطبة- عدداً كبيراً من مشائخ ورجال أعمال ورموز محافظة تعز، ومن هؤلاء أذكر منهم الشيخ أحمد سيف الشرجبي والشيخ عبدالله قاسم الشرعبي والشيخ منصور شائف و..الخ.
والحقيقة أن علاقة الحمدي وعبدالعالم بمشائخ ورجال أعمال محافظة تعز لم تبدأ بعد قيام حركة 13 يونيو 74م وإنما بدأت في مرحلة الدفاع عن الثورة، عندما كان الحمدي قائداً لقوات الاحتياط وعبدالعالم قائداً للواء العروبة وتطورت تلك العلاقة من خلال الحركة التعاونية التي كان الحمدي قائدها ومحركها وعبدالعالم رئيس هيئة تطوير الحجرية، وتجذرت الى ثقة متبادلة بعد مؤتمر الروضة عام 75م، الذي أعلن فيه مشائخ بمحافظة تعز موقفاً مؤيداً ومسانداً وداعماً لحركة 13 يونيو وقائدها وبرنامجها وإجراءاتها الثورية، وحسب كلام أحد الذين حضروا ذلك المؤتمر فإن عدداً من الذين تم تصفيتهم في أحداث مايوم 78م كانوا ضمن المشاركين في ذلك المؤتمر، وبسبب موقفهم المؤيد والداعم لحركة 13 يونيو وضعوا أنفسهم- انطلاقاً من إيمانهم وقناعاتهم بأن حركة 13 يونيو 74م هي امتداد طبيعي وشرعي للثورة التي قدموا دفاعاً عنها ودعماً لها المال والرجال والسلاح - في موقع المواجهة الى جانب حركة 13 يونيو، ضد تحالف مراكز القوى والفساد ورموز التخلف والرجعية المحلية والطائفية، الذين -عملاً بأهداف االثورة وبرنامج الحركة في توحيد القوات المسلحة وبناء دولة مؤسسات تحقق الحرية والعدالة والوحدة الوطنية وتحقق الأمن والرفاهية والتوزيع العادل للثروة والتكافؤ في المسؤوليات والواجبات والحقوق- سحبت من تحت أياديهم وأقدامهم المواقع والنفوذ والتسهيلات والامتيازات والميزانيات التي كانوا يحصلون عليها من أموال الشعب، الأمر الذي جعلهم استقواءً بالقبيلة وبالخارج يعقدون المؤتمرات والمؤامرات ويحشدون الأعوان والاتباع و... و... ضد حركة 13 يونيو وقيادتها وضد الأطراف والقوى والتيارات والرموز التي أعلنت موقفاً رافضاً لهم وتأييداً ودعماً للحركة ولقيادتها وسياساتها.
كان الشهيد إبراهيم الحمدي يعتبر محافظة تعز العمق الاستراتيجي للثورة ولحركة 13 يونيو، والمرتكز الأول في صراع الحركة مع القوى التي ناصبتها العداء، ولأن محافظة تعز تتميز بثقل بشري وسياسي وثقافي وجغرافي، ووفق المشروع الوطني لحركة 13 يونيو حقق الشهيد الحمدي بها عملية التوازن السياسي والعسكري والقبلي الذي كان قبل الحركة مفقوداً أو مضروباً وتحديداً بعد إجهاض الثورة بحركة 5 نوفمبر 67م، فالقوى التي بسطت سيطرتها ونفوذها وسلطاتها ومشروعها الطائفي على السلطة والمجتمع كانت تعتبر أبناء محافظات تعز وإب والحديدة عبارة عن رعية ليس لهم حقوق المشاركة في السلطة والثروة والقوة، وأي جماعة أو شخص سواءً كان مسؤولاً في الدولة أو في المجتمع يحاول تجاوز أو التمرد على موقعه كرعوي بممارسة صلاحياته القانونية ومسؤولياته الوطنية في مناهضة التميز والتهميش والاقصاء والإذلال والنفوذ والنهب والوصاية .. الخ فإن مصيره التصفية الجسدية، أو النفي الى خارج الوطن، أو الاعتقال أو الإقصاء من السلطة والمجتمع، وكانت هذه العمليات تتم تحت مبررات وحجج واتهامات مختلفة، فالشهيد البطل النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب الذي انتخب من قبل قادة وضباط القوات المسلحة رئيساً لهيئة أركان حرب القوات المسلحة كي يقودهم في حرب الدفاع عن الثورة وعن صنعاء التي كانت محاصرة من قبل القوات الملكية فقد تم بعد الانتصار في حرب السبعين اليوم إقصائه من موقعه تحت مبرر أحداث أغسطس، وبعد عودته من الجزائر التي رُحل إليها مع عدد من الضباط كانوا قد رجعوا من الجزائر قبله، تم بطريقة الغدر إغتياله تحت مبرر الدفاع عن الشرف لأنه دخل بيت لممارسة الحب، وهي تهمة لم يصدقها الشيخ أحمد علي المطري الذي رفض سحله في الشوارع، كما رفض عدوه اللدود الشيخ قاسم منصر الذي قال إن عبدالرقيب هو البطل الحقيقي لحرب السبعين، ولولاه لدخلت صنعاء بسهولة.
وفيما يتعلق بقادة المقاومة الشعبية والوحدات والألوية العسكرية الذين كانوا ينتمون جغرافياً الى محافظتي تعز وإب ومنهم على سبيل المثال الشهيد جارالله عمر والشهيد محمد صالح فرحان (قائد المشاة) والشهيد علي مثنى جبران (قائد المدفعية) وحمود ناجي سعيد (قائد المظلات) و (قائد الصاعقة) وعبدالرقيب الحربي، والنقيب هائل الأصبحي صاحب شعار الجمهورية أو الموت ومحمد قائد سيف وعلي نصيب المعمري وغيرهم وغيرهم، فقد تم بشكل ممنهج ضرب التوازن العسكري الذي حققته ثورة 26 سبتمبر، التي فتحت الأبواب واسعةً لأبناء الشعب وبدون تمييز للانخراط في القوات المسلحة وقوات الأمن وفي المعاهد والكليات العسكرية، وأرسلت الآلاف الى مصر عبدالناصر للدراسة في الكليات العسكرية وفي دورات تدريبية وكذلك الى روسيا والصين وسوريا والعراق وغير ذلك من الدول التي وقفت مع الثورة اليمنية، وكان الأغلبية الساحقة من قادة وضباط وجنود لواء النصر والثورة والصاعقة والمظلات والمدفعية والمشاة والعروبة من محافظتي تعز وإب، وقد لعبت هذه القوات أدواراً تاريخية في الدفاع عن الثورة والجمهورية، كما كان لأبناء ردفان وأبين والضالع ولحج ومن خلال جبهة التحرير والتنظيم الشعبي للقوى الثورية الذين كان أبرز مقاتليه المناضل هادي عامر، فضل أمذيب، عبدالرحمن الصريمي، عبدالقوي ناجي العربي، علي بن علي هادي، وصالح الحارثي، وعبدالرقيب القرشي، وغيرهم دورٌ كبيرٌ في فك الحصار عن صنعاء وفي الدفاع عن الثورة والجمهورية.
ولكن بعد اندحار الملكيين الذين حاصروا صنعاء سبعين يوماً بدأ مسلسل التصفيات بعد 5 نوفمبر، وفي الأيام الأخيرة من حرب السبعين وكانت تلك التصفيات أحد أسباب أحداث أغسطس التي انفجرت بعد أيام قليلة من عودة بعض رموز الملكيين ومنهم الشيخ هادي عيطان.
أنفجرت أحداث أغسطس بعد أسبوع تقريباً من عودة بعض الرموز الملكية الى صنعاء وعلى رأسهم الشيخ هادي عيطان وكان من نتائج تلك الأحداث تصفية واعتقال واغتيال وإقصاء آلاف الضباط والصف والجنود أغلبهم ينتمون جغرافياً الى محافظتي تعز وإب ومن أبرز القادة الذين تم قتلهم أثناء وبعد تلك الأحداث النقيب عبدالرقيب عبدالولي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة والنقيب محمد صالح فرحان الشرعبي قائد سلاح المشاه والنقيب الوحش قائد الصاعقة، أما القادة الذين تم اعتقالهم وإقصاءهم من مواقعهم فعددهم كثير أذكر منهم علي مثني جبران قائد سلاح المدفعية، وحمود ناجي سعيد قائد المظلات، والنقيب عبدالرقيب الحربي، وعن أسباب تلك الأحداث يذكر الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في كتابه قضايا ومواقف بأن عبدالرقيب عبدالوهاب وجماعته «كانوا يساريين وأنهم في أغسطس كانوا يستهدفون اليمن بأكملها ومحاولة قلب نظام الحكم والاستيلاء على صنعاء كي ينسقوا مع الجبهة القومية الحاكمة في عدن» والحقيقة أن عبدالرقيب كان وطنياً وثورياً حتى العظم لن يدخل ميدان الصراع على السلطة ولو كان يفكر بالاستيلاء على السلطة لأخذها بسهولة عندما انتخبه الضباط بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والمناطقية رئيساً لهيئة الأركان كي يقودهم في معارك الدفاع عن صنعاء التي هرب منها -خوفاً من سقوطها بيد الملكيين- كبار قادة الدولة. كان عبدالرقيب -حسب كلام كبير مدربي مدرسة الصاعقة العقيد عبدالحميد أحمد حسن العزعزي الذي مات قبل سنتين بدون مرتب- مثقفاً ثورياً يشبهونه زملاءه من حيث قوة الشخصية والعشق للثورة والعداء للرجعية والاستعمار بالزعيم عبدالناصر ويشبهونه من حيث الشجاعة وعدم المبالاة بحياته بالشهيد علي عبدالمغني مؤسس تنظيم الضباط الأحرار والقائد الفعلي لثورة 26 سبتمبر.
وبصورة مختصرة فإن ما حدث في أغسطس لم يكن محاولة من عبدالرقيب وجماعته لقلب نظام الحكم بدليل أن القوات العسكرية التي كان قادتها من جماعة عبدالرقيب (المقصود بجماعة عبدالرقيب هم القادة الضباط الذين ينتمون جغرافياً الى محافظتي إب وتعز) لم تنتشر في العاصمة وإنما كان الجزء الأكبر منها في الجبال تدافع عن صنعاء وتطارد الفلول الملكية في المناطق والوديان والقرى المحيطة بعد فك الحصار. أما القوات التي كانت مرابطة في العاصمة فقد ظلت قبل وأثنا وبعد تفجر الموقف في ثكناتها العسكرية التي من داخلها -وبعد محاصرتها بجيوش جرارة من القبائل- دافعت عن نفسها مع العلم -وهو دليل آخر- أن تلك الأحداث لم تكن محاولة انقلابية من جانب عبدالرقيب وجماعته ولو كانت فعلاً محاولة إنقلابية لأعلن الانقلابيون بيانهم من الإذاعة لأنها كانت تحت حماية قوات تابعة لهم وظلت تلك القوات رغم شراسة المعارك تدافع عنها حتى نهاية الأحداث، فالقضية إذن ليست محاولة قلب نظام الحكم أو صراع بين اليسار والقوى التقليدية على السلطة وإنما بدأت -حسب كلام الشيخ عبدالله في قضايا ومواقف- عندما قام الفريق حسن العمري باعتقال علي مثنى جبران قائد المدفعية وهذا التصرف أغضب عبدالرقيب وجماعته، وكان مما زاد من غضبهم ودفعهم للمواجهة ما وصلهم من العمري عندما كان البعض يقولون له أنهم سوف يفجرون الموقف فكان يرد عليهم مستهزئاً بعبد الرقيب وجماعته قائلاً لن يفعلوا شيئاً وكان يطلق عليهم عبارات بذيئة وهنا يقترب الشيخ من حقيقة تلك الأحداث التي كان العامل الطائفي هو المحرك الرئيسي لها فالقوى والرموز الطائفية لم يعجبها أن ينسب انتصار السبعين لعبد الرقيب وزاد من عدم إعجابها أو من غضبها أو من حقدها أن عبدالرقيب من محافظة تعز وفوق ذلك رجل قرار، فلم يقبل منطق أن يكون عبارة عن رعوي أو آلة تحركها الأصابع، ولهذا وفي سياق مشروع طائفي تم تصفيته وتصفية وإعتقال وإقصاء في أحداث أغسطس فقط آلاف الضباط والصف والجنود من أبناء محافظتي تعز وإب، والحقيقة أن مسلسل التصفيات والاعتقالات والمضايقات لم تتوقف عند أحداث أغسطس ولكنها تواصلت بعد ذلك وفق مخطط إفراغ القوات المسلحة وقوات الأمن من القيادات العسكرية الوطنية والثورية، بصرف النظر عن المناطق والمحافظات التي ينتمون اليها. ففي عام 69م وتحت مبرر التخطيط لحركة انقلابية تم إحالة عدد من الضباط الى أعمال مدنية واعتقال المئات وعلى رأسهم مدير الكلية الحربية اللواء محمد علي الجبري الذي تقلد العديد من المناصب والمهام العسكرية منها قائداً للمظلات عام 64م ولم يطلق سراحه مع زملائه من السجن إلا بعد قيام حركة 13 يونيو 74م بقيادة الشهيد إبراهيم الحمدي الذي عرف قبل الحركة بوطنيته وقوميته، وذلك من خلال مواقف عديدة. ففي عام 71م وأمام ضباط وجنود قوات المغاوير وتعبيراً عن حبه لجمال عبدالناصر وحزنه الشديد على وفاته قرأ أمامهم قصيدة نزار قباني التي مطلعها: قتلناك يا آخر الأنبياء... قتلناك ليس جديداً علينا اغتيال الصحابة والأولياء.
وعندما كان نائباً لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الداخلية وقف ضد محاولة علي سيف الخولاني ومحمد خميس وإقناع رئيس الوزراء بتسليم الجاسوس الإسرائيلي الباروخ الذي اعتقل في الحديدة الى رجل أعمال إثيوبي مقابل عشرة مليون دولار يدفعها رجل الأعمال المكلف من المخابرات الإسرائيلية للحكومة اليمنية من أجل - وهو مبرر الخولاني وخميس- تخفف من أزمتها الاقتصادية ولكن الحمدي رفض كل المبررات وأصر بالتهديد على تسليم الباروخ للمخابرات المصرية، وإبراهيم الحمدي في حرب اكتوبر 73م كان وراء موافقة الحكومة اليمنية -بناءً على طلب القيادة المصرية- على إغلاق باب المندب في وجه السفن والبواخر المحملة بالمواد والأغذية والأسلحة من والى الكيان الصهيوني.
والشهيد الحمدي ومن أجل بناء دولة تحقق الحرية والعدل والوحدة الوطنية وتحقق الأمن والرفاهية والمواطنة المتساوية قام بحركة 13 يونيو 74م.
والشهيد إبراهيم الحمدي باعتباره قومي عربي لم ينجر الى أتون الصراعات الطائفية والمناطقية والقبلية تحت مزاعم مقاومة اليسار والدفاع عن الجمهورية من الغوغائية، كما رفض الاصطفاف مع الذين يدعون بأنهم أصحاب الحق التاريخي في السلطة وأن الثورة قامت من أجلهم وأنهم الذين قاتلوا عنها ومن جيوبهم مولوا معاركها وهم الذين ثبتوها، ولهذا فإن الثورة ثورتهم والجمهورية جمهوريتهم وهذا المنطق رفضه الحمدي لأنه كان يعلم أن الثورة قامت ليس من أجل قبيلة أو رد فعل على إعدام أو حبس شيخ، وإنما قامت من أجل إقامة نظام جمهوري عادل وبناء قوات مسلحة للدفاع عن الوطن ومحاربة الرجعية والاستعمار ومخلفاتهما الى آخر الأهداف الستة للثورة التي فجرها تنظيم الضباط الأحرار بقيادة الشهيد الملازم علي عبدالمغني الذي فعل كما فعل عبدالناصر عندما اختار محمد نجيب -وهو ليس من الضباط الأحرار- رئيساً لمجلس قيادة الثورة، اختار الملازم علي عبدالمغني المشير عبدالله السلال رئيساً لمجلس قيادة الثورة.. وكان الحمدي يعلم أن الأهنومي وجزيلان ومحمد الأشول ويحيى المتوكل... الخ، هم الذين مع البطل الشهيد علي عبدالمغني فجروا الثورة وأن القوات المسلحة بوحداتها وألويتها وبالذات الصاعقة والمظلات والعاصفة والمدفعية والمشاه ولواء النصر والقوات الجوية هي التي دافعت عن الثورة وقدمت من أجلها آلاف الشهداء والمعاقين مضافاً الى شهداء شعب مصر من أجل الثورة اليمنية.. وكان الحمدي يعلم أن محافظتي تعز وإب قدمتا خيرة أبنائها شهداءً دفاعاً عن الثورة، وأن عبدالغني مطهر، والربادي وعلي محمد سعيد، ودماج، وبهران، وعبدالقوي حاميم ،وأحمد سيف الشرجبي، والنعمان.. الى آخر قائمة الشخصيات والرموز السياسية والاجتماعية والمالية سواءً كانوا أعضاء في مجلس قيادة الثورة أو المجلس الجمهوري أو وزراء أوسفراء فقد تم إقصاءهم عن السلطة وأصبحوا بعد اغتيال عبدالرقيب عبدالوهاب، ومحمد صالح فرحان، والوحش عبارة عن رعية. كان الحمدي يعرف كل هذه الأمور باعتباره جندياً من جنود الثورة مؤمناً بأهدافها ومؤمناً بأن النصر عمل والعمل حركة والحركة فكر والفكر فهم وإيمان فقد اختارته الطلائع الثورية في القوات المسلحة قائداً لها في عملية تغيير نظام 5 نوفمبر الذي أجهض الثورة وأوصل البلاد الى حافة الانهيار، وبناءً على ذلك، ووفقاً لرؤية استراتيجية تترجم أهداف ومبادئ الثورة ونضالات اليمنيين ضد الاستعمار والاستبداد والعنصرية قامت حركة 13 يونيو 74م بقيادة المقدم إبراهيم الحمدي مع العلم أن قوات المظلات وبسبب ليس فقط أنها كانت خالية من النفوذ القبلي وغير تابعة لمراكز القوى وإنما لأن قائدها الرائد عبدالعالم كان شريكاً للحمدي في الإعداد والتحضير والتخطيط للحركة فقد تحملت مهمة السيطرة - يوم الحركة- على الإذاعة ومؤسسات ومواقع مهمة في العاصمة وضواحيها مما جعل القوى المعادية للثورة ولحركة 13 يونيو وقيادتها تضعها وخصوصاً بعد أن عاد اليها الضباط والأفراد الذين هربوا أو سرحوا قبل وأثناء وبعد أحداث أغسطس بما فيهم بعض الذين كانوا قد انضموا الى المقاومين الثوريين والفصائل اليسارية التي كانت تقاوم النظام، الأمر الذي جعل القوى المعادية -كما سبق- تضع المظلات في الموقع المعادي لها والأشد خطراً عليها، وزاد من خطورتها -في نظر تلك القوى- أنها تمثل محافظتي تعز وإب، وأن إبراهيم الحمدي يعتبرها الذراع القوي لحركة 13 يونيو التي ومن أجل القضاء على مشروعها والتخلص من التوازن والمتحمسين له وللقرار المستقل فقد تم يوم 11 اكتوبر 77م تصفية واغتيال المقدم إبراهيم الحمدي رئيس مجلس القيادة عضو اللجنة التنفيذية للتنظيم الناصري أمين سر قيادة الجناح العسكري للتنظيم، وفي نفس الوقت والمكان تم اغتيال المقدم عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة، وفي نفس اليوم والتاريخ وقبل الإعلان بساعات عن قضية الاغتيال تم - من مقر اللجنة العليا للتصحيح (سابقاً) اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي (حالياً)- اختطاف المقدم علي قناف زهرة عضو قيادة الجناح العسكري للتنظيم الناصري قائد سلاح المدرعات ومن منزل يقع في نهاية شارع مجاهد، وقريباً من البيت الذي قتل فيه الحمدي وشقيقه تم اختطاف قائد الجناح العسكري للتنظيم فرع صنعاء المقدم أحمد صالح بن لحمر ومعه أحد أبناء منطقته في شبوه واسمه حسين أو ناصر مبخوت وهو من مناضلي حرب التحرير وكان من المقربين للشهيد الحمدي ولعبدالله عبدالعالم مع العلم أن الشهيد أحمد صالح بن لحمر كان -قبل أسبوع تقريباً من اختطافه- قد عُين بناءً على اتفاق لقاء قعطبة بين الرئيسين الحمدي وسالمين قائداً للقوات اليمنية (شمالاً وجنوباً) المرابطة في الجزر اليمنية الواقعة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وفي سياق الاختطافات يوم 11 اكتوبر 77م تم اختطاف المقدم الشمسي، وحسب معلومات فإن اختطاف المذكورين وغيرهم من الضباط تم بواسطة فرق مكونة من عناصر عسكرية وأمنية وقبلية تنتمي معظمها الى منطقة الغشمي، وأن الذي أشرف على تشكيلها وحدد مهماتها وأدار عملها المقدم محمد خميس وشيخ يرتبط بصلة قرابة بالمقدم أحمد الغشمي، وأن الخاطفين أخذوا المخطوفين معصوبي الأعين مكبلين بالسلاسل الى بيت مهجور يقع خارج صنعاء وتركوهم في البيت الى أن فارقوا الحياة من العطش والبرد والجوع.
وحسب مصدر رفض الكشف عن اسمه أنه عندما كان (ضابطاً) في قسم شرطة بمحافظة صنعاء، حصل على معلومات -وكان ذلك عام 78م- عن وجود هياكل عظمية في بيت مهجور كان يشاع أنه مسكون بالجن، وقد أبلغ خطياً المسؤولين عند تلك المعلومات ومصادرها وطلب منهم وبصورة عاجلة دعمه بطقم مجهز والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة للتوجه معاً الى المكان المحدد، ولكن وحسب كلامه فوجئ بعد ساعات بقرار نقله الى ذمار!! ويرجح أن تلك الهياكل العظمية هي للمخطوفين يوم 11 اكتوبر 77م مع العلم أن أبناءهم وأسرهم وأقرباءهم لم يستلموا حتى اللحظة جثامينهم ولا يعلموا أين وكيف ومتى قُبروا؟ والواقع أن المسلسل الدموي لم يتوقف يوم 11 اكتوبر ولكنه تواصل بعد ذلك اليوم، حيث تم -في سياق عمليات الفشل للرموز والشخصيات الوطنية التي كان لها أدوار ومواقف تاريخية في النضال الوطني- اعتقال وإعدام المناضل سلطان أمين القرشي والمناضل علي مثنى جبران وعدد آخر من رفاقهما، أما الذين لم تصل إليهم أيادي الانقلابيين الإجرامية وباعتبارهم من تيار 13 يونيو وقيادات في الجناح العسكري للتنظيم الناصري أو محسوبين عليه فقد تم إقصاءهم من مواقعهم العسكرية والإدارية والسياسية، وفوق ذلك جرت محاولات لاغتيالهم أو اعتقالهم، ومن هؤلاء الرجال العميد يحيى مصلح محافظ لواء صنعاء ورئيس هيئة تعاون ريمة، والعميد علي الحبيشي أركان حرب قوات العمالقة، والعميد مجاهد القهالي قائد معسكر المشاه، والعميد منصور عبدالجليل قائد الشرطة العسكرية، ولم يبق من الشخصيات العسكرية الرئيسية من قيادة حركة 13 يونيو ومن القيادة العسكرية للتنظيم الناصري غير الرائد عبدالله عبدالعالم الذي بعد محاولات عديدة لاغتياله أقصي عن السلطة في مايو 78 وبسبب أحداث كان آخر ضحاياها -بعد مرور 32 عاماً على وقوعها- الشهيد عبدالرقيب القرشي وفي الحلقة القادمة سيتم الحديث عن عبدالرقيب وعلاقته بتلك الأحداث، ولماذا، وكيف رجع من سوريا؟