الرئيسية المقالات مدارات جائعو هذه البلاد بين "وهم الصمود" و " شيخوخة الحسم"
جائعو هذه البلاد بين "وهم الصمود" و " شيخوخة الحسم"
محمد عبد الوهاب الشيباني
محمد عبد الوهاب الشيباني

كان سيمر عاديا ذلك الصباح "التشريني" البارد كغيره من الصباحات التي نبددها نحن الاصدقاء في المقهى، لولاء شكلها وفعلها اللافت ،وغير المعهود لنا، نحن اللائذون برصيف المقهى منذ اشهر طويلة.

شابة على عتبة الثلاثين، بهندام بسيط مثل اغلب نساء البلاد المتشحات السواد . انحنت على" السطل" البلاستيكي الازرق الكبير امام المقهى ،وبدأت بفرز محتوياته وتعبئة كسر وبقايا " الخمير" التي تركها مفطرو الصباح ،وحملها عمال المقهى الى السطل مع اللفافات الورقية . قررت تصويرها، حين بدأت بوضع ماتصل اليها يدها في كيس بلاستيكي ابيض كان معها، ولم استطع بسبب الزاوية الصعبة التي كنت اجلس فيها وزحمة اجساد العابرين .

بدأنا في التخمين لمن تلتقط كسر "الخبز" هذه الشابة؟

قال احدنا ربما لأغنام وبهائم ترعاها !! وحين اختلفنا قال احدنا انه سيأتي بخبرها . فقام اليها ونحن مشدودو البصر اليه، وبعد برهة رأيناه يخرج من جيبة المبلغ القليل الذي فيه، وكان" يتسله" للعودة الى منزله ظهرا، وشراء بعض الاحتياجات البسيطة !! وحين عاد الينا منكسرا متألما ،قال انها تجمع بقايا الخبز لخمسة اطفال لها ولأختها المتوفية، الذين لايجدون مايقتاتونه .

مثل هذه الحالات الوف مؤلفة،تطعم افواه صغارها من قمامات المدن و"هامبو" المطاعم والبوفيهات والمقاهي ،اما في الارياف الفقيرة كتهامة، فقد كانت صور متضرري المجاعة ابلغ من أي حديث.

اعرف عشرات الاصدقاء من الذين يعتمدون كلية على مرتباتهم، بدأوا التفكير جديا بترك مساكنهم وارجاع اسرهم للقرى التي يقولون انها ستكون اكثر رأفة بأطفالهم، الذين بدأ الجوع يعتصر معدهم الخاوية . فالوجبات الثلاث البسيطة التي كانوا ينعمون بها قبل سنوات، تحولت مع ظروف الحرب الى وجبتين، قبل ان تنحسرعند كثيرين الى وجبة واحدة، مع ازمة المرتبات.

نحن على عتبة العام الثاني لهذه الحرب الضروس، التي انتجت طبقتها المستفيدة من استمرارها، ولا امل في الافق لانطفأ نارها، لان مشعليها وراكبي موجة الانتفاع منها(في الداخل والخارج) لايريدون لها كذلك، مادامت تدر عليهم المليارات من الاتجار بمشتقات النفط والسلاح ومواد الاغاثة وتجارة العملة وتبييضها .

لم يعد شعار "الصمود" الذي يرفعه تحالف الحرب الداخلي (الصالحوثي) الا لافتة للتسكين، و وسيلةلعصر ضروع البلاد الجافة، ونهب حقوق فقرائها من اجل دعم عملياته العسكرية، التي يريد من خلالها انتزاع اكبر قدر من المكاسب ـ قبل أي تسوية مرتقبةـ على حساب الضحايا من المحاربين المتعصبين في الجبهات ،وحساب فقراء الشعب المغلوب، الذين ادخلوا متاهة لا امل في الخروج من براثنها ،بحسب معطى قراءات الوضع الحالي.

وان "الحسم العسكري" ـ الذي طال امده وشاخ ـ هو الاخر صار وهما ،يتكسب منه طابور طويل من "عتاولة" الفساد الذين وجدوا في كنف " الشرعية " المكان الملائم لادامة حضورهم داخل معادلة الحرب، وما تنتجه من مصالح لاحصر لها . وتشير خارطة الفساد في بنية "الشرعية" الى توزع رموز النظام السابق وفسدته على اهم مفاصل دوائر القرار السياسي والعسكري فيها،وعملواطيلة الفترة الماضية على تعطيل  كل محاولة للحسم وانهاء الانقلاب، كون ولاء الكثير من هؤلاء لم يزل "للمركز المقدس" وعصبوية السلطة التي تنتجه، ومصالحهم مع استمرار الحرب. والا ما معني ترك محافظات (محسوبة على الجمهورية العربية اليمنية) بكاملها بدون عون ،وتعطيل عملية الحسم فيها، وهي التي بتحررها كان يمكن ان تختصر نسبة كبيرة من عملية الانقلاب ـ انموذجا تعز والبيضاء ـ

لا عزاء للجوعى في هذه البلاد، فطبقة الحرب "العابرة للطائفة والمنطقة والعرق" وبكل صلف ،تستثمر في جوعهم والآمهم من اجل تعزيز مصالحها التي تتعزز وتتقوى باستمرار الحرب وتجويع الفقراء وقتلهم.

إقراء أيضا