صادق ناشر
المعركة ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، كما كانت صعبة في بداياتها قبل أشهر، وشارفت على الانتهاء، بخاصة في الموصل، بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية لدحر التنظيم منها، ستكون كذلك صعبة بعد طرده من المدينة بشكل كامل، ذلك أن مهمة ما بعد القضاء على حضور التنظيم المتطرف في المناطق العراقية لن تكون سهلة، وستحتاج إلى رؤية سياسية وعسكرية واجتماعية شاملة تكون قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه «داعش» بعد سنوات من إحكام قبضته على المناطق التي استولى عليها وعاث فيها فساداً.
كل الأنظار اليوم متجهة لمعرفة نهاية الفصل الأخير من المعركة التي تعد فاصلة بين القوات العراقية وتنظيم «داعش» في مدينة الموصل، والتي يُتوقع أن تدور رحاها في محيط جامع النوري، حيث تأمل القوات العراقية بأن تتمكن من استعادة الجانب الغربي من المدينة بشكل كامل خلال شهر رمضان الجاري.
المسألة ليست سهلة، فقد تطلب الأمر الكثير من الجهد المتكامل لاستكمال الإنجاز الذي تحقق في الجانب الشرقي من الموصل، والتي كلفت الكثير من المال والعتاد، والأهم الكثير من الضحايا، الذين سقطوا في جبهات القتال، وتم تشريد عشرات الآلاف، ناهيك عن ارتكاب تجاوزات وانتهاكات من قبل بعض القوات المنخرطة في القتال الدامي.
سيستميت «داعش» للدفاع عن تحصيناته الأخيرة، وكلما اقترب النجاح في استعادة المناطق من قبضته، سيرمي التنظيم بكل أوراقه لخوض المعركة الفاصلة، من خلال حماية ما تبقى له من أحياء في المدينة، على الرغم من إدراكه أن القوات العراقية أحكمت حصارها على من تبقى من أفراد التنظيم داخل أحياء المدينة القديمة، لهذا سيسعى لاستكمال تجهيزاته للمعركة الأخيرة التي ستتركز حول جامع النوري، وقد أظهر «داعش» استعداداته لذلك بإغلاق الشوارع المحيطة بالجامع، واتخاذه مواقع دفاعية في محيطه، ذلك أن الجامع يحمل رمزية للتنظيم الذي ألقى زعيمه أبو بكر البغدادي أول خطاب علني من على منبره. يدرك الكثير من المراقبين أنه خلال مرحلة استعادة السيطرة على الموصل، كانت الكثير من البنى التحتية تتعرض للدمار والخراب، وستتكشف في مرحلة ما بعد التخلص من التنظيم في الجزء الغربي من الموصل، الكثير من التفاصيل عن حجم الخراب الذي أصاب البنية التحتية للمدينة، وستجد السلطات العراقية نفسها بعد أشهر من خروج «داعش» في مهمة إعادة بناء ما تم تخريبه، وهي مهمة لا تقل صعوبة عن الحرب التي يجري خوضها اليوم بأدوات عسكرية. القدرة على الحرب تبدو سهلة، إنها حشد العتاد والمقاتلين ووضع الخطط العسكرية، ومن ثم خوض الحرب، التي دائماً ما تؤدي إلى إنهاك الدول وتزيد من الأعباء التي تتحملها لإعادة بناء ما خرب، وهي إمكانات كان يجب أن تسخر لإعادة إعمار العراق الذي دخل في دوامة حروب لم تتوقف منذ عقود طويلة.