الرئيسية المقالات مدارات اغمض عينيك يا أبي .. واطمئن
اغمض عينيك يا أبي .. واطمئن
أمل عبدالله جزيلان
أمل عبدالله جزيلان

لو‭ ‬كانت‭ ‬الدموع‭ ‬تغسل‭ ‬الألام‭ ‬لملأت‭ ‬أنهاراً‭ ‬بدموعي‭, ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬الكلمات‭ ‬تعبر‭ ‬عما‭ ‬بداخلي‭ ‬لكتبت‭ ‬دواوين‭ ‬عن‭ ‬فراقك‭ ‬يا‭ ‬أبي‭.. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬الدمع‭ ‬ولا‭ ‬القلم‭ ‬يلغي‭ ‬قدرنا‭ ‬جميعاً‭, ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دموعي‭ ‬تسبق‭ ‬قلمي‭, ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أفكاري‭ ‬تجري‭ ‬وتتخبط‭ ‬لتلحق
‭ ‬بدمعي‭ ‬مسكت‭ ‬بقلمي‭ ‬كما‭ ‬علمتني‭ ‬لأقول‭ ‬لك‭ ‬بعد‭ ‬الفراق‭.. ‬اغمض‭ ‬عينيك‭ ‬يا‭ ‬أبي‭.‬
الآن‭ ‬فقط‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستريح‭ ‬واطمئن‭ ‬فنضالك‭ ‬وأهدافك‭ ‬ومشوار‭ ‬حياتك‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يضيع‭ ‬هباءً‭ ‬واسترح‭ ‬فأنت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬وطنك‭ ‬الغالي‭ ‬عليك‭, ‬اطمئن‭ ‬فأنت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬أوصيت‭ ‬به‭, ‬فأخيراً‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬أحضان‭ ‬وطنك‭, ‬أخيراً‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تستريح‭ ‬من‭ ‬آلام‭ ‬الحنين‭ ‬والعودة‭ ‬إليه‭.‬
اطمئن‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬فأخيراً‭ ‬عدت‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬أخيراً‭ ‬لأنك‭ ‬رحلت‭ ‬بجسدك‭ ‬فقط‭, ‬ولكنك‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬موجوداً‭ ‬بيننا‭ ‬بأعمالك‭ ‬وتاريخك‭, ‬موجود‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭, ‬بل‭ ‬أنت‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬كياني‭ ‬وذاكرتي‭ ‬فمازلت‭ ‬أذكر‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬أمسكت‭ ‬بيدي‭ ‬لتعبر‭ ‬بي‭ ‬مشوار‭ ‬أطول‭ ‬فكنت‭ ‬دائماً‭ ‬ملاذاً‭ ‬وآمناً‭ ‬وسنداً‭ ‬وعوناً‭ ‬لي‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬لحظة‭ ‬في‭ ‬حياتك‭.‬
اطمئن‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬واسترح‭ ‬فدروسك‭ ‬لن‭ ‬أنساها‭ ‬ولن‭ ‬ينساها‭ ‬أحد‭ ‬فقد‭ ‬علمتني‭ ‬ألا‭ ‬أبخل‭ ‬وألا‭ ‬أظن‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬بعلم‭ ‬أو‭ ‬بنصيحة‭ ‬أو‭ ‬بمال‭, ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬أشعر‭ ‬بآلام‭ ‬الآخرين‭, ‬علمتني‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للوفاء‭ ‬وللصداقة‭, ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬تجتمع‭ ‬الصرامة‭ ‬والحمية‭ ‬والمحبة‭ ‬والكرم‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭, ‬هو‭ ‬أنت‭.‬
علمتني‭ ‬كيف‭ ‬أقرأ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬أفهم‭ ‬لغة‭ ‬العيون‭ ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬أدرك‭ ‬الأمور‭, ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬موقف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭, ‬وعلمتني‭ ‬كيف‭ ‬اتعامل‭ ‬بتسامح‭ ‬وقبول‭, ‬وألا‭ ‬أقف‭ ‬عند‭ ‬صغائر‭ ‬الأمور‭, ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬احترم‭ ‬الصغير‭ ‬قبل‭ ‬الكبير‭, ‬علمتني‭ ‬كيف‭ ‬تكون‭ ‬الكلمة‭ ‬سيفاً‭ ‬على‭ ‬رقبتي‭ ‬وكيف‭ ‬يكون‭ ‬الوعد‭ ‬عهد‭, ‬علمتني‭ ‬الكثير‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أحصيه‭ ‬بكلمات‭ ‬متضاربة‭ ‬وحزينة‭ ‬وهزيلة‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬الفراق‭.‬
عملتنا‭ ‬الكثير‭ ‬ولكن‭ ‬أكبر‭ ‬درسٍ‭ ‬علمته‭ ‬لي‭ ‬وللآخرين‭ ‬كان‭ ‬بعد‭ ‬وفاتك‭, ‬فقد‭ ‬علمتنا‭ ‬أن‭ ‬الشرف‭ ‬تاج‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬العظماء‭ ‬فقط‭ ‬مهما‭ ‬غدر‭ ‬بهم‭ ‬الزمان‭, ‬علمتنا‭ ‬أن‭ ‬التواضع‭ ‬يرفع‭ ‬الإنسان‭ ‬الى‭ ‬أعلى‭, ‬علمتنا‭ ‬أن‭ ‬محبة‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بمال‭, ‬علمتنا‭ ‬أن‭ ‬عملك‭ ‬الطيب‭ ‬وسيرتك‭ ‬العطرة‭ ‬لن‭ ‬تموت‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تلفظ‭ ‬أنفاسك‭ ‬الأخيرة‭.‬
فضع‭ ‬رأسك‭ ‬بأمان‭ ‬واهدأ‭ ‬ولا‭ ‬تقلق‭ ‬واغمض‭ ‬عينيك‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬فلم‭ ‬أخذلك‭ ‬ما‭ ‬حييت‭, ‬فاسمك‭ ‬شرف‭ ‬على‭ ‬جبيني‭ ‬يرفع‭ ‬رأسي‭ ‬عالياً‭ ‬ولن‭ ‬ينساك‭ ‬التاريخ‭, ‬ولن‭ ‬أنسى‭ ‬ولم‭ ‬ينس‭ ‬أحد‭ ‬أبداً‭ ‬ما‭ ‬علمته‭ ‬لنا‭ ‬جميعاً‭. ‬
وسلوانا‭ ‬الوحيدة‭ ‬أننا‭ ‬نعلم‭ ‬جيداً‭ ‬أنك‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬وان‭ ‬البقاء‭ ‬لله‭ ‬سبحانه‭ ‬فقط‭.‬
فلله‭ ‬الصبر‭ ‬وجبر‭ ‬قلوبنا‭ ‬جميعاً‭.. ‬وأسألكم‭ ‬الفاتحة‭ ‬له‭..‬

إقراء أيضا