الرئيسية المقالات مدارات اليمن والحوثيون.. إلى أين؟
اليمن والحوثيون.. إلى أين؟
عاصم السيد
عاصم السيد

يواجه اليمن مشكلتين كبيرتين تهددان استقراره ومستقبله السياسي؛ الأولى هي الرغبة الجنوبية في الانفصال وإفشال الوحدة التي كانت إنجازًا كبيرًا في تاريخ اليمن المعاصر. وسبب هذه المشكلة واضح ومحدد، وهو ما تعانيه محافظات الجنوب من إهمال في برامج التنمية والمشروعات على عكس ما تمناه الجنوبيون بعد الوحدة، حيث توقعوا مزيدًا من الاهتمام بمناطقهم وبتطويرها وتنميتها، مما ولَّد عندهم مشاعر متنامية ضد النظام اليمني الحالي ورغبة في أن يحلُّوا مشكلاتهم بعيدًا عنه ولو بالانفصال.

لكن إذا كانت مشكلة الجنوب وتهديده بالانفصال حديثة نسبيًّا، فإن المشكلة الأقدم وربما الأكبر والأخطر هي خروج "الحوثيين" في محافظة صعدة، "شمال غربي اليمن"، على نظام الرئيس على عبد الله صالح، وتهديدهم للدولة وخطفهم للسياح وقطعهم للطرق... الخ.

تصاعد وغفلة من الدولة

التمرد "الحوثي" في صعدة بدأ منتصف عام 2004م، حيث خرج الحوثيون على الدولة بداعي أنهم يدافعون عن أنفسهم ضد "النظام الدكتاتوري الفاسد" الذي يحاول "القضاء على مذهبهم"، وقرروا في البداية خوض الحرب بدافع "الجهاد ضد الجيش الذي يتعاون مع قوى الك فر في الغرب".

وتكررت المواجهات فيما بعد بينهم وبين الدولة خمس مرات، انتهى آخرها في يوليو 2008م، وسقط فيها آلاف القتلى والجرحى، وكلفت خزينة الدولة والمواطنين خسائر طائلة.

نجحت الوساطة القطرية في إقناع الطرفين بوقف إطلاق النار مطلع عام 2008م، لكن سرعان ما اشتعل التمرد من جديد واستمر فترة سميت بـ"الحرب الخامسة" قبل أن يعلن صالح انتهاء الحرب في 17/7/2008م، لكن سرعان ما بدأت المناوشات مرة أخرى.

وكانت جميع المراحل السابقة من النزال بين الدولة والحوثيين شديدة الصعوبة على الطرفين، وخاصة الجيش اليمني، ويعود ذلك إلى التجذُّر الأيديولوجي للجماعة الحوثية، وتداخل الأيديولوجي المذهبي بالسياسي، والاجتماعي بالاقتصادي والتنموي، ثم ما يتردَّد عن اختراقات أمنية تحققها العناصر الحوثية عبر بعض الشخصيات النافذة في الجيش اليمني، وبعض أجهزة الدولة ومفاصلها.

ومما أدى إلى تفاقم خطر الظاهرة الحوثية أن الدولة بدت كما لو كانت تتفرج على هذا التنظيم منذ إعلانه عن نفسه عام 1990م، في بعض مناطق محافظة صعدة، بُعَيْدَ إعلان الوحدة اليمنية والسماح للتعدُّدية السياسية إطارًا ثقافيًا وسياسيًا، فقد بدأ العمل الثقافي والفكري والتنظيمي يتصاعد ويجتذب الطلبة والأتباع، ولم تنتبه الدولة إلى خطورته، بل إن مراكز التجمع والأنشطة الثقافية والفكرية والتنظيمية أصبحت قِبلة لكثير من الطلاب القادمين إليها من مختلف المحافظات، المعروفة تاريخيًا بانتمائها إلى المذهب الزيدي، ثم تجاوز الأمر محافظة صعدة إلى العديد من المحافظات والمدن ذات الطابع الشيعي الزيدي، التي فتحت مراكز خاصة بها، وفق المنهج القائم في صعدة.

لا نستطيع، إذًا، أن ننكر مسئولية الدولة في التعاطي مع هذا الملف الذي تركته ينمو ويتصاعد أمام عينيها دون أن تبذل الجهد الكافي والمطلوب لاحتوائه والتعاطي معه، ليس على أرضية استئصالية أمنية تستفزه بصورة أكبر وإنما بعقلانية تراعي الأمن القومي اليمني من ناحية ومن أخرى تحفظ تماسك النسيج اليمني الداخلي، خاصة وأن المذهب الزيدي من المذاهب القريبة من أهل السنة والتي يحترمها فقهاء أهل السنة.. وهو يختلف كثيرًا عن المذهب الاثني عشري الذي يسبُّ أتباعُه الصحابة، وهي القضية التي تستفز أهل السنة، بالإضافة إلى اختلافات جذرية أخرى لا توجد في المذهب الزيدي.

لكن هذا الذي نطلبه من النظام اليمني، لا يستطيع هذا النظام القيام به في ظروفه الحالية، بعد أن طالت به السنون وأصبح كهلاً ضعيفًا يعاني من الفساد والترهل ويعتمد الاستبداد وسيلةً للحكم، بينما الحوار الفكري والثقافي والديني يتطلب نظامًا كفؤًا شابًا تهمه المشكلات القومية ولا يجري وراء المصالح الشخصية.

تصميم على الحسم

لكن المعارك العسكرية التي اندلعت مؤخرًا بين الدولة والحوثيين، فيما سمي بـ"الحرب السادسة" والتي أدت إلى سقوط مئات القتلى والجرحى نتيجة استخدام الجيش للأسلحة الجوية والمدفعية والصاروخية، على أمل إنهاء التمرد والسيطرة على الأوضاع، ربما تكون هي الأعنف والأكثر شراسة؛ لأن الجيش أراد أن تكون هذه الجولة هي آخر الجولات، ووضع استراتيجيته على أساس اعتقال قادة التنظيم وتقديمهم للمحاكمة.

دخلت الدولة اليمنية هذه الجولة بثقة أكبر في نفسها وبتعبئة أكبر لقواتها، ولذلك وضعت اللجنة الأمنية العليا ستَّ نقاط قُبيل اندلاع المعارك كأساس للعلاقة مع الحوثيين؛ وهي: الانسحاب من جميع المديريات، ورفع جميع النقاط المعيقة لحركة المواطنين من كل الطرق، والنزول من الجبال، وإنهاء أعمال التخريب، وتسليم المعدات التي استولى عليها الحوثيون، والكشف عن مصير المختطفين الأجانب الستة، وهم أسرة ألمانية وبريطاني واحد، وكذلك تسليم المختطفين من المواطنين من أبناء محافظة صعدة، وعدم التدخل في شئون السلطة المحلية بأي شكل من الأشكال.

هذه النقاط أو الشروط تعكس ثقة كبيرة بدأت بها الدولة جولتها الأخيرة من الحرب ضد الحوثيين، وقد رفضوها كما كان متوقَّعًا؛ فالحوثيون لم يغيِّروا أفكارهم ولا استراتيجيتهم التي بدؤوها عام 2004م، ولم ينقطع الدعم الذي يتلقَّوْنَه من جهات خارجية تمدهم بالمال والسلاح، ولذلك فقد كان منطقيًا أن يرفضوا الاستسلام وأن يستمروا في الخروج على الدولة والتصعيد؛ لأنهم يشعرون بقوتهم التي تأكدت في عدم قدرة الدولة على إنهاء تمردهم وخروجهم على الدولة طيلة السنوات الماضية.

هذه الثقة التي بدأ بها الجيش عملياته في المناطق التي يستولي عليها الحوثيون، تَوَاكَبَ معها تمكُّنُه من اجتذاب الكثير من المواطنين من أبناء هذه المناطق للقتال معه ضد الحوثيين، مما مكَّنه من إحكام سيطرته على كثير من المناطق التي كان الحوثيون يتمركزون فيها، وتمكنه من قتل واعتقال الكثير من قادة التمرد.

الدور الإيراني في دعم التمرد

لا نستطيع إنكار التأثير والترابط بين ما حدث في إيران بعد الثورة وما حدث في "صعدة" بعد ذلك بأحد عشر عامًا، فمن المؤكد أنه كان لانتصار الثورة في إيران عام 1979م، وما اعتنقه قادتها من سعي حثيث لتصديرها، أَثَرٌ مباشر في دعم التمذهب الزيدي في صعدة وتشجيعه على النشاط ومعاداة الفكر السنِّي بشكل عام، وإمداده بالدعم المادي والإعلامي اللازم.

ومن المنطقي أن الحوثيين لا يمكنهم الاستمرار سنوات في مقاومة آلة الجيش المتقدمة من دون دعم مادي ومعنوي ضخم من إيران، يمكِّنهم من مواجهة قوة الجيش المتنامية ومن دفع مبالغ مغرية لمَن يقاتل في صفوفهم.

عثور الجيش اليمني واستيلاؤه على ستة مخازن أسلحة إيرانية الصنع يستخدمها الحوثيون في معاركهم الأخيرة، يؤكد بما لا يحتاج إلى أدلة إضافية أن إيران موجودة بشكل أساسي في أزمة التمرد الحوثي، والذي يجلِّي ذلك أنه بالتوازي مع العمليات العسكرية تشن وسائل الإعلام الإيرانية، التي تؤيد التمرد الحوثي، حملة واسعة النطاق؛ تأييدًا للحوثيين وهجومًا على النظام اليمني، فأعمال التخريب والخروج على الدولة لا يمكن تبريره إلا إذا كان في الأمر رؤية مختلفة وسلوك مختلف، خصوصًا أن بعض وسائل الإعلام الإيرانية شبه الرسمية تحدثت في تقارير سابقة عن وجود أسلحة متطورة يملكها المتمردون لم يستخدموها بعد.. فمن الذي أدراها بذلك إلا أن تكون متأكدة أنها هي مصدر هذه الأسلحة!!.

كما أن ما أعلنه الحوثيون من استخدام صواريخ الكاتيوشا ضد القوات الحكومية يثير المزيد من الشكوك والقلق عن مصادر التمويل والتسليح بمثل هذه النوعية من الأسلحة المتطورة.

أما الدعم المالي والذي تقول السلطات اليمنية إن مصدره الحوزات الشيعية في إيران والعراق والخليج وبعض التجار الشيعة بالإضافة إلى إيران.. فهو ليس بعيدًا.. بل هو الأقرب إلى المنطق والواقع.
عن اسلام اون لاين

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي