قراءة في حالة المنتج السياسي الفلسطيني الحالي
د. سامي الاخرس
القارئ المطلع على خفايا السياسة يستطيع أن يقرأ الحدث السياسي بما يمتلك من مرتكزات بنائية يمكن أن يستند عليها في تحليل أي سيناريو مستقبلي أو التنبؤ بالأحداث المستقبلية، وهذا التنبؤ يخضع بكل الأحوال لإحتماليات الصواب أو الخطأ، وفي كلا الحالتين فإنه يعتبر أحد المنتجات السياسية المعقدة، والمتغيرة في هيجان وثورة عواصف السياسة الدائمة.
ودوماً يعتمد التحليل السياسي على جزء من الخيال(العلمي) المنطقي في رسم السيناريوهات التنبؤية، وغالباً ما تعتمد في صياغتها على الخلفية الأيديولوجية أو الفكرية أو الفلسفية أو العقائدية، أي بمعنى آخر وفق الخلفية السياسية المعتمدة على المنطلقات التي يؤمن بها السياسي، أو تلك المدخلات الخام للمصنع الإنتاجي الفكري لعلم السياسة.
وعليه فإن المنتج السياسي الفلسطيني الحالي هو أحد أهم المنتجات التي يمكن للجميع أن ينتج منها مخرجات تتوافق وطبيعته الأيديولوجية التي يستند عليها في عملية الإنتاج التي ترتكز لبعض عمليات تحدد بناء على علم الاقتصاد.
فالمنتج السياسي الفلسطيني برغم تعقيداته، وتركيبته المعقدة، إلاّ إنه من أكثر المنتجات التي يمكن الاجتهاد في معالجتها وتحليلها، واستخراج سلعة نهائية وفق مواصفات محددة، مغلفة بغلاف يحدد مقاييسه ومواصفاته، محددات سياسية وبحثية وتحليلية تعتمد على الخلفية السياسية لمصنع المخرجات الفكرية.
لدينا حالة أشبه بالمعقدة، معالمها غير واضحة، وغير معلومة فرضتها علينا عدة اعتبارات تتلخص بالتالي:
أولاً: الحالة السياسية المحيطة بالمناخ السياسي الفلسطيني، أي الحالة المتفرعة من المناخ الدولي، والإقليمي، والمحلي، وهي تحتاج للدراسة والبحث الدقيق، سواء من يث القوى اللاتينية المتسابقة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتعتبر حالة وليدة يمكن الاستغراق في تحولاتها ودلالاتها العكسية، ودلالات هذا التحول في الزمان والمكان، أو القوى التي تحاول التوازن في سياساتها نحو أطراف الصراع، وهي حالة قديمة جديدة لوغارتيماتها معلومة، أما القوى الأكثر تعقيداً هي تلك التي لا زالت ترسم السياسات الدولية نحو الشرق الأوسط بتحيز للمشروع الإجمالي للمنطقة، حسب مخطط معلوم لديها، مجهول لغيرها.
ثانياً: القوى الإقليمية التي أصبحت ذات تأثير في رسم معالم الصراع بشقيه، المحلي الداخلي، والوطني – الإسرائيلي، وهي قوى تطرح أيديولوجيا خاصة، تستند إلى الدعم المطلق لشعار المقاومة، كنهج تحرري أوحد، مع تنافي الشعار مع الممارسة في المنطقة، ولنأخذ مثلاً( إيران) التي تدعم المقاومة ضد المحتل في فلسطيني ولبنان، وتقف مكتوفة الأيدي أو صماء عن عمداً أمام المقاومة العراقية والأفغانية، إضافة للموقف التركي المعقد، ذو التوجهات المتوازنة في سياساته نحو القضية الفلسطينية، وغموضه السياسي نحو القضايا الأخرى في المنطقة العربية. ربما هذا الغموض يعوج لنظرة المصالح السياسية – الاقتصادية العليا للجمهورية التركية.
ثالثاً: النظام الرسمي العربي المنقسم على نفسه، بين قوى الممانعة التي تصطف بجانب شعار رفض المشروع الأمريكي – الإسرائيلي، وتدعم المواجهة والمقاومة، وهي ذات دور مؤثر في الحالة السياسية الفلسطينية من خلال التدخل المباشر في الشأن الفلسطيني، ومن أهم هذه القوى( سوريا) التي ترى في الممانعة حصانة سياسية تحميها من الاستهداف السياسي أو العسكري، بما إنها رأس الحربة في عملية المواجهة، ولديها العديد من الأسباب لاتخاذ هذا الموقف، وأهم هذه الأسباب أن هناك جزء جغرافي سوري محتل من قبل إسرائيل تسعي لاسترداده وتحريره وفق جدلية ورؤية سياسية تعتمد على استمرار حالة اللاحرب واللاسلم مع المحتل الإسرائيلي، وحالة من (اللعم) للمشاريع السلمية، وهي تجربة أدركتها سوريا من خلال مفاوضات(مدريد) واستدركت من خلالها خطورة الاستفراد بأطراف الصراع العربي – الإسرائيلي، وتفكيك رزنامة الحل الشمولي في المنطقة الذي يعتبر مصدر قوة سوريا في مواجهة التفرد.
أما القوى المعتدلة، واللتي يطلق عليها قوى الاعتدال فهي ذات رؤية سياسية تستند على ضرورات (الحل السلمي) والحوار كوسيلة لرسم خارطة المنطقة، وهي تستدرك أن حالة المواجهة، وعسكرة الحلول ما هي سوى ضرب طوباوي خيالي، انتهي وتلاشى أمام عوامل التعرية الزمانية السياسية حقيقة واقعية ترتكز إليها في خطابها السياسي، وعلى رأس هذه القوى( مصر) ذات التأثير الأكثر أهمية في الواقع السياسي العربي، والتي تعتبر قائدة للأمة العربية، وتدلل على ذلك بما فعله الرئيس المصري (أنور السادات) الذي حاكى واقعية الأسرة الدولية سياسياً، واستطاع انجاز مشروعه السياسي الذي تتم تتويجه باستعادة سيناء وإعادتها للوطن المصري.
كما أن هناك قوى عربية كأطراف ثالثة بين الموقفين السابقين تنظر للمسألة كأنصاف مواقف ورؤى، وهو دلالة على واقع مأزوم لهذه الكيانات على المستوى المحلي، وأهم الأمثلة الحالة السودانية التي تتعرض لانتهاك ومشروع تجزئة لكيانها السياسي والجغرافي في ظل صمت عربي أشبه بالموافقة على ما يجري بالسودان، وكذلك الجماهيرية الليبية التي تشعر بالخذلان العربي لها آبان فترة الحصار الذي تعرضت له، وحالة الإبتزاز السياسي والاقتصادي في قضية (لوكربي) وبعض القضايا الأخرى، مما دفعها للتوجه إلى القارة الإفريقية نتاج حالة اليأس التي شعر بها العقيد( معمر القذافي) من الواقع العربي.
ولتحديد أهم الملامح الحقيقة للواقعية السياسية العربية، يمكن استخلاص أن كل كيان أو دولة عربية تشكل حالة معينة في نظرتها ورؤيتها السياسية نحو القضية الفلسطينية.
رابعاً: العامل الإسرائيلي، وهو المؤثر الذي يمسك بزمام الأمور وخيوط اللعبة في المنطقة، ولاعبها الرئيسي الذي يحدد اتجاهات بوصلة توجهاتها، وخطوطها الإستراتيجية والتكتيكية التي تحدد مسار الكرة بدقة نحو مرمى الخصم، ويعتمد على خطط إستراتيجية طويلة الأمد تتضمن الإطار العام لسياساته، تخدمها بعض المخططات التكتيكية التي تصوب العملية وفق رؤية مرحلية تتوافق وحجم التطورات بمحاورها الثلاثة: الدولي – الإقليمي – المحلي، مع إدراك لمكامن الخطر المحيطة، وخاصة الواقع الديموغرافي المحيط به، وقضايا المياه، والنفط، والغاز (الطاقة)... إلخ التي تحتل حيز في العمل السياسي الإستراتيجي الإسرائيلي، الذي استطاع استدراج العديد من البلدان المؤثرة بأهم المصادر الطبيعية، مثل سيطرته على بلدان حوض النيل المتحكمة بالمياه ومجرى نهر النيل الذي يغذي مصر، وقدرته على السيطرة على أهم احتياطي نفطي عربي ممثلاً بالعراق، وكذلك علاقاته المفتوحة مع دولة قطر اللاعب الأهم بالغاز الطبيعي، وصاحبة الاحتياطي الرئيسي، وكذلك تأثيره على العديد من الدول المنتجة لليورانيوم الخام...إلخ، وهو ما يؤكد الفعل الاستراتيجي الإسرائيلي الممنهج، الذي من خلاله يتم صياغة التكتيكات المرحلية لسياساته التحركية أفقياً وعمودياً، مما مكنه من تحقيق أهم استهدافاته بتحييد ثلاث جبهات رئيسية عربية، وإسكات قسري للجبهة الرابعة التي تعيش حالة موات إكلينكي سياسي – عسكري، والاستفراد بالحالة الفلسطينية التي أنهكها من خلال نجاحه في فرض حالة من التشرذم السياسي والاجتماعي في النظام الفلسطيني وهو أهم ما خطط له، وكذلك عملية تنويم كاملة للعملية السياسية التي تاهت وغابت، واتخذت منحى آخر بعد غياب الرئيس الفلسطيني (ياسر عرفات)، وعليه يتبين قدرة إسرائيل على الإمساك وبإحكام بخيوط العملية السياسية، وامتلاكها للمدخلات اللازمة لعملية الإنتاج السياسي الفلسطيني، وهو ما يؤكد أن المنتج السياسي الفلسطيني يتخذ مواصفات وصفات تحددها غرفة القياسات السياسية الإسرائيلية.
خامساً: النظام السياسي الفلسطيني الذي أصبح يعيش حالة من الضبابية وافتقد لأهم مواصفاته التاريخية والسياسية التي كانت تشكل قوة دفع مؤثرة لفاعليته، وهي الاستقلالية التي خلقتها م.ت.ف، ودافعت عنها عبر مراحل وجودها، وحددت ملامحها من خلال الميثاق الوطني، والتشريعات الفلسطينية، والمؤسسات الوطنية التي كانت عبارة عن صياغة للقرار الوطني الفلسطيني، وثقافة وطنية تعبر عن الإجماع الوطني الرسمي للفصائل الفلسطينية، والشعبي الداعم كركيزة أساسية في عملية الصراع الرئيسي والثانوي، وهو ما مثل قاعدة متينة وصلبة للمنتج السياسي الفلسطيني الذي استطاع التمحور وفق التطورات الدولية والإقليمية والتعامل معها بواقعية تخضع لمبدأ" أقل الخسائر" في الحياة السياسية الفلسطينية.
هذه الحالة لم تعد قائمة، والنظام السياسي الفلسطيني أصبح دون ملامح رئيسية تستند للمصلحة الوطنية العليا، بل تشرذم وأصبح دون عنوان واضح الملامح.
فالنظام السياسي الفلسطيني يعيش عدة حالات سلبته قوامه ومرتكزاته ومصادر قوته، أهم هذه الحالات:
1. حالة الذوبان التي تعيشها م.ت.ف كمرجعية أساسية للفلسطينيين في جسد " السلطة الوطني" التي تمثل بالعرف السياسي فلسطينيو الداخل، وهو ما خلق هوة وفجوة كبيرة حول من يعبر ويمثل فلسطينيو الشتات، وبذلك افتقدوا لصوتهم الوطني، وشخصيتهم الكيانيه، مما خلق أزمات سياسية ووطنية تجلت أهمها في حالة تساؤل من يمثل فلسطينيو الشتات؟ وأين صوتهم الكياني؟
2. تعدد المرجعيات التشريعية، وتداخل صلاحياتها ما بين المؤسسة التشريعية لـ م.ت.ف الممثلة بالمجلسين( الوطني والمركزي)، وبين المجلس التشريعي وليد السلطة الوطنية(جنين أوسلو)، مما خلق حالة من التداخل في الفهم التشريعي للمؤسسة الفلسطينية، مثل رافعة لغياب هذه المؤسسة، وتلاعب بعض القوى الفصائليه فيها وفق ما تحدده مصالحها وأهوائها الحزبية.
3. حالة الانقسام الأساسية في الهرم السياسي الفلسطيني، بعد ما كانت حركة فتح تسيطر على الهرم السياسي السلطوي سواء في م.ت.ف أو السلطة الوطنية، وتحدد المشروع الوطني وفق رؤية محددة بخط سياسي معين يعتمد على التفرد، أمام قوى معارضة رئيسية، تخلق حالة من الحوار حول التناقضات الثانوية في السياسات الأساسية والمصيرية. وعليه أصبحت الحالة الفلسطينية أو النظام السياسي ثنائي القطبية، أو ثلاثي القطبية، تتصارع فيما بينها على تحديد ملامح هذا النظام، وإعادة صياغته وفق رؤيا معينة تتمثل بثلاث تيارات:
أ. حركة فتح قائدة هذا النظام منذ إقالة الشقيري من رئاسة م.ت.ف في أعقاب هزيمة حزيران 1967م، وسيطرة فتح والفصائل المسلحة على النظام السياسي الفلسطيني.
ب. حركة حماس التي أفرزتها الانتخابات التشريعية عام 2005م كقوة أساسية حاكمة، ومحاولاتها صبغ النظام السياسي الفلسطيني وفق رؤيتها السياسية والأيديولوجية، وحسمها لحالة الصراع بالبندقية وسيطرتها على غزة التي أصبحت وحدة قائمة بذاتها سياسياً ومنفصلة عن النظام السياسي الفلسطيني.
ت. القوى والفصائل والتيارات السياسية والعسكرية المعارضة، والتي تحاول الإمساك بدور معين في النظام السياسي ولو في حدوده الدنيا، ولكن هذه القوى لا زالت غير قادرة على الفعل المؤثر، وإنما محاولاتها تأتي في إطار الحفاظ على وجودها ولو في حدود الهامشية.
ث. قوى الشعب ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وهي قوى معطلة بفعل شخصيتها الاعتبارية غير المستقلة عملياً، رغم إطروحاتها النظرية بالاستقلالية إلا إنها قوى مأطرة سياسياً تعيش حالة من النفاق السياسي عند المواجهة الفعلية، وتعلن عن هويتها ضمنياً.
هذا الواقع جزء من الحالة العامة التي تعيش تجاذبات أخرى، تعبر عما تم وصفه سابقاً لحالة النظام السياسي الفلسطيني، من أهم هذه الجزيئيات حالة الصراع العنيف التي تدور داخل حركة فتح القوة الأساسية في م. ت. ف، وصاحبة مشروع السلطة الوطنية، حيث مثل غياب الشهيد ياسر عرفات، غياب للقرار الفتحاوي الموحد، وانكفاء حالة التوحد الظاهري والشكلي التي كان يفرضها الرئيس الراحل(ياسر عرفات)، وسرعان ما برزت التيارات على السمح بعد غيابة، وأصبحت تخوض صراعات عنيفة فيما بينها، أهم ملامحها حالة التجاذب الفتحاوي في الأطر الفتحاوية الداخلية الممثلة باللجنة المركزية، والمجلس الثورى، وبالرغم من محاولات الرئيس (محمود عباس) إضفاء العمل المؤسساتي داخل حركة فتح وإصراره على عقد المؤتمر السادس وانتخاب أعضاء اللجنة المركزية، إلاّ أن هذه المحاولات لم تنجح في إنهاء حالة الصراع الداخلي، وربما ما حدث أخيراً بين الرئيس (محمود عباس) والرجل القوى (محمد دحلان) هو نموذج مصغر لحالة فتح الداخلية، حتى ذهب البعض بتشبيهها ووصفها بأحوال الدولة العثمانية في أواخر عهدها بالرجل المريض المتصارع على أملاكه ورثته.
هذه الحالة بحركة فتح ليست بأفضل عنها أحوال حركة حماس القطب الثاني للنظام السياسي الفلسطيني، حيث تعيش الأخرى واقع داخلي متفجر ولكنه غير بارز على السطح ولا يعلن لدوائر الإعلام، فحركة حماس اليوم تتصارع بداخلها عدة تيارات وفق اختلافات سياسية حول النهج السياسي المرحلي لحماس، فهناك تيار يرى أن حماس انحرفت عن أهدافها، وهذا التيار عبر عنه بعض القيادات الرئيسية التي اتخذت من الاعتزال السياسي درباً لها في هذه المرحلة، وهي تعتبر التيارات العقلانية في رؤيتها. وهناك تيار الشباب الذي اتخذ من القوى الأكثر عقائدية درباً له، والتي تتمثل باللجوء للتيارات السلفية الوليدة في غزة، كذلك هناك حالة من الضبابية في مصدر القرار الرئيسي في حركة حماس، ودور الجهاز العسكري( كتائب القسام) أو التيار السياسي الذي يتخذ من دمشق والخارج مقراً له، والعديد من التناقضات والصراعات المختلفة، ولكن لم تنفجر بشكل صراعات معلنة حتى الأن، ومع استمرار حماس في السيطرة على غزة ستغذى هذه التناقضات وتشكل في المآل النهائي حالة من صراع الأدوار، لن يختلف عن صراع حركة فتح الحالي.
في خضم كل هذه الوقائع يبرز واقع مركب أساسي في المنتج السياسي الفلسطيني، ألاّ وهو سيطرة الأجندة الخارجية على القرار الفلسطيني، هذه الأجندة هي محور الارتكاز في رسم الواقع وتحديد ملامح المنتج الفلسطيني بمواصفات دولية، وإقليمية، ومحلية، وفق المصالح العليا لهذه الأجندة والتي تتضح بالتالي:
1. الأنظمة العربية وتمكنها من غرس شخصيات مركزية تعبر عن سياساتها وإرادتها، سواء على المستوى السياسي أو الأمني، وأصبح رجالات الفعل السياسي الفلسطيني مصنفين وفق هوية وانتماء يحدد توجهاتهم.
2. القوى الإقليمية، وهي تعبر عن ذاتها من خلال التحكم والسيطرة ليس على مستوى فردي، بل على مستوى فصائلي، فكل قوى إقليمية لديها فصيل أو حركة تعبر عن سياساتها وأجندتها، وهي حالة أكثر نضجاً من الأنظمة العربية بما إنها سيطرت على قوى رئيسية مؤثرة بالقرار الفلسطيني والنظام السياسي الفلسطيني، وفاعلة بالقرار الوطني الداخلي والخارجي.
3. الأجندة الأمريكية وهي أجندة فاعلة وواضحة، تمرر سياساتها وفق سياسيات أمنية وسياسية محددة، وممنهجة تمرر على النظام السياسي الفلسطيني وفق مخطط شمولي للمنطقة برمتها، وتتعامل مع النظام الفلسطيني كقطعة تسويقية لباقي مخططاتها في المنطقة.
4. الأجندة الإسرائيلية وهي ذات تأثير ونصيب الأسد من الواقع السياسي- الاقتصادي – الاجتماعي الذي يستند إلى العديد من الشخصيات على المستوى الفردي، والمؤسسات المدنية والاجتماعية المؤثرة في الحياة السياسية والاجتماعية الفلسطينية، إضافة لفعلها الاستخباري المستقل بالعمق الفلسطيني.
5. الأجندة الأوروبية وهي ذات ملامح اقتصادية أكثر منها سياسية، حيث تتضح معالم تدخلاتها في الاتجاه الاقتصادي المؤثر على مسيرة العمل السياسي الوطني، والحياة السياسية الفلسطينية من خلال دعمها للبنى التحتية، والمشروعات الثقافية، والمشاريع الأساسية وربما اتضح دور التدخل الأوروبي في أزمة كهرباء غزة عند فض أوروبا يديها من تمويل (السولار) لتشغيل محطة توليد الطاقة المحلية، وهو ما خلق أزمة عميقة تتطلب الخضوع لحالة الابتزاز السياسي، فالاقتصاد أحد محركات ومكونات السياسية.
هذا الإطار العام للمنتج الفلسطيني السياسي بمواصفاته التي حُددت وفق المقاييس الاقتصادية، والعلامة التجارية المسجلة بالشهر العقاري الدولي والإقليمي، المصبوغ بإسقاطات السياسية الدولية التي تُعيد إنتاج ملامح المنطقة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر كدافع تكتيكي هامشي لتحرك القوى المهيمنة على القرار السياسي الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بمراحل مختلفة ومتباينة لا زالت تشهد المنطقة فصولها، بعد مرحلة العسكرة الاحتلالية التي انتهجها بوش الابن، لتشهد خط سير إنتاجي متجدد بمنهج سياسي – اقتصادي يقبض على مدخلاته (أوباما) ومطبخه السياسي وهو قوة تنفيذية تضطلع في الجزء المُعد لها سلفاً.
أمام هذا الفلك فإن المنتج السياسي الفلسطيني جزء من عمليات المخرجات لمرحلة إعادة صياغة التاريخ بفلسفة العولمة الهيلامية بمظهرها العام، وإطارها الفلسفي الأيديولوجي غير المنظور في المرحلة الحالية.
وعليه فهو بحاجة للدراسة العميقة المرتكزة لأسس الواقعية في دائرة الفعل التاريخي – الاقتصادي- الاجتماعي المستند للإطار الدائري، ومحور ارتكاز رئيسي ممثل بتعريف واضح ومحدد للعديد من المفاهيم والمصطلحات الأساسية المتداولة في المنطق الموضوعي لتدرج المراحل، وسبر رحلة الاستحداث للمنظومة الدولية في نطاق قطبية آحادية تعيد صياغة التاريخ.
بعد تلك القراءة لحالة المنتج السياسي الفلسطيني في مغلفة الحالي، لا بد من الخروج عن طور التحليل القائم إلى طور تحديد المستقبل الذي يمكن أن يؤول إليه حالة المنتج، ومواصفاته وسماته الأساسية في المستقبل القريب والبعيد، ولا يمكن صياغة الحالة المستقبلية دون الارتكاز إلى عوامل متعددة؛ وأهمها الحياد المطلق في القراءة الصامتة والجهرية بمنطلقات لغوية أساسية تعتمد على إحداثيات اللغة السياسية – التاريخية، وتركيباتها ومدلولاتها، وفق حالة من الاستمزاج لأطراف المعادلة الشمولية؛ وعليه فإن المستقبل تتحدد ملامحه لناء على ذلك؛ بعدة سيناريوهات أهمها:
السيناريو الأول: استمرار الوضع الحالي للحالة القائمة، حتى سقوط النظام السياسي الفلسطيني بمكوناته الأساسية الثلاث المتمثلة بـ م.ت.ف واندثارها، وهو ما يترتب عليه سقوط السلطة الوطنية بمكوناتها السياسية، وإعادة الحياة السياسية الفلسطينية لحالة الموات الإكلينيكي مما يعني تلاشي الكيانية الرمزية للقضية الفلسطينية، مما يفقدها حالة التعاطف الشعبي العالمي العام، والعربي خاصة، والعودة لحالة اللامبالاة التي أعقبت حرب 1982م، وتراجع القضية الفلسطينية في سلم الأولويات الدولية الرسمية والشعبية وكذلك العربية، نتاج الإيمان الذي يتسرب بأن الصراعات الفلسطينية الداخلية هي السبب الأساس والمحرك لذلك، مما يعني الحاجة لوقت طويل بإحداث تغيرات جديدة تعيد القضية لزخمها، هذه الأحداث والمتغيرات تحتاج لتغيرات جذرية في المنظومة الدولية لصالح قوى أخرى، وهو ما يعتبر مدخل طوباوي وغير موضوعي في ظل حالة السيطرة والهيمنة الأمريكية الحالية، وعدم وجود قوى أخرى على الصعيد الدولي مؤهلة لعملية الإحلال والتجديد، بالرغم من حالة الاستنهاض السياسي والوحدوي التي تعيشها أوروبا ككتلة موحدة، إلاّ إنها تحتاج لمزيد من الفعل والتغيرات لتتبوأ هذا الدور، وهو غير مرئي في المستقبل القريب، وكذلك المارد الصيني الاقتصادي، لا يزال بحاجة لمزيداً من التأهيل وقوى الدفع للاضطلاع بهذا الدور.
وعليه فإن هذا السيناريو لا يتوافق والمخططات الأمريكية- الإسرائيلية الحالية، التي تحاول صياغة المنطقة بشكل كلي يتوافق ومراحل إستراتيجيتها السياسية، والاقتصادية التي تعتمد على تفكيك بؤر التوتر المركزية، وحلها بما يتلاءم مع حدود الأهداف الرئيسية المرسومة لمنطقة الشرق الأوسط.
السيناريو الثاني: إحياء العملية السياسية بين م.ت.ف وإسرائيل، وفق خطوط عامة ورئيسية ترتكز لتفاهمات إعلان المبادئ في أوسلو، في ظل أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو مهندس أوسلو، وهو الذي يمتلك الإيمان الكامل بالحل السلمي للمسألة الفلسطينية، ودعوته المستمرة لضرورة الحل على قاعدة التفاوض والتفاهم المباشر مع إسرائيل.
إلا إنه ورغم واقعية هذا السيناريو وحتمية إسقاطه على المسألة الفلسطينية كمدخل للحل الفلسطيني، إلا أن هناك عدة تيارات تقاومه وتحاول إفشاله كخيار قابل للتحقق، من أهمها:
أ. استمرار التعنت الإسرائيلي في العودة إلى المفاوضات وفق الجدول التفاوضي الذي انتهى إليه أوسلو، واستمرارها في إفشال كل الاتفاقيات السابقة من خلال سياساتها الاستيطانية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وتنكرها لكل ما تم التوقيع عليه، وتنكرها للحقوق الوطنية الفلسطينية كالدولة وحق تقرير المصير وحق العودة، وهي ثوابت أساسية في خُلد ولُب الشعب الفلسطيني.
ب. استشهاد الرئيس ياسر عرفات، واغتياله بسبب رفضه لعملية الابتزاز السياسي في كامب ديفيد، مما خلق مناخ المواجهة وإشعال انتفاضة الأقصى التي قدم بها الشعب الفلسطيني ثمن غالِ جداً، كان على رأس هذه التضحيات اغتيال قادة الشعب الفلسطيني ورموزه التاريخية، وعلى رأسها الشهيد الرئيس ياسر عرفات، والشيخ أحمد ياسين، والقائد أبو على مصطفى، وهو ما يشكل رافعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في عدم الموافقة على ما رفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات والتنكر لهذه التضحيات الجسام.
ت. اختلاف لوغارتيمات المعادلة السياسية الفلسطينية في أعقاب الانتخابات التشريعية لعالم 2005م والتي أفرزت وجود حركة حماس على قمة الهرم السياسي الفلسطيني مما يعني تغير في النظام السياسي الفلسطيني الذي كانت تهيمن عليه حركة فتح منفردة في السابق، وتنفرد بالقرار الفلسطيني، وهو لم يعد قائماً اليوم، حيث أصبحت حماس شريك قوي وأساسي في النظام السياسي الفلسطيني، وكذلك في القرار، والتطورات التي أعقبت سيطرة حماس العسكرية على غزة، أوجد واقع جديد مغاير للواقع الذي كان قائماً أبان اتفاقيات أوسلو، مما يعني أن المناخ الذي توفر لحركة فتح وم. ت. ف في أوسلو، لم يعد هو المناخ بعوامله كذلك لم تعد التضاريس السياسية ذاتها، بل أن هناك قوة سياسية شريكة في القرار والحكم، تختلف في نظرتها وأيديولوجيتها كلياً مع المشروع الذي تتبناه حركة فتح.
ث. عدم توفر الاستعدادية الشعبية العربية والفلسطينية على إعادة إنتاج أوسلو آخر، أو انتهاج ما سبق في ظل جملة المتحولات والمتغيرات السياسية سواء في المنطقة العربية أم الفلسطينية، وهو ما يعتبر رافعة إضافية في وجه انطلاق المفاوضات بشكلها وأدائها وسقفها السابق.
ج. حالة الضعف والوهن التي عليها م.ت.ف التي كانت في السابق تستمد قوتها وعنفوانها من الانتفاضة الشعبية لعام 1987م، وحالة التعاطف الدولي مع القضية والشعب الفلسطيني، وهو ما أمد م.ت.ف بالقوة للتوقيع على اتفاقيات إعلان المبادئ كمرحلة انتقالية لإعلان الدولة الفلسطينية، وهو ما أسقط أمام التساوف الإسرائيلي، والتعنت في تنفيذ الالتزامات التي تم الاتفاق عليها، مما أفقد م.ت.ف قوتها التمثيلية الوحيدة باسم الشعب الفلسطيني، وكذلك قدرتها على الإقناع بدور مستقبلي تفاوضي يقود لدولة مستقلة عاصمتها القدس.
وعليه فإن إسقاط هذا السيناريو على الحالة السياسية الفلسطينية الحالية أمر غير واقعي ومنطقي، وإن تطلب الأمر اللجوء إليه، فهو يتطلب حل عسكري حاسم في غزة وهو سيناريو قائم بذاته نستعرضه لاحقاً.
السيناريو الثالث: التحرك على قاعدة إعادة صياغة المنطقة، انطلاقاً من حل القضية الفلسطينية التي تعتبر أساس لأي عملية مستقبلية تستهدف إحداثها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط من خلال إعادة تفتيت المفتت، وتجزيء المجزأ، وهي تدرك أن تحقيق ذلك يتطلب عملية موازية في المسار الفلسطيني، وهو ما يمكن الإيعاز به لإسرائيل بشن عملية عسكرية حاسمة وسريعة ضد غزة، يترتب عليها إنهاء الوجود الرسمي لحركة حماس كقوة حاكمة، والسيطرة المؤقتة على غزة ولفترة وجيزة جداً ومحددة يتم من خلالها استقدام قوة دولية أو عربية تستلم زمام الأمور مؤقتاً في غزة، ومن ثم التفاوض مع م.ت.ف والسلطة الوطنية، يترتب علي هذه المفاوضات الإعلان عن دولة فلسطينية على جزء معين من الأرض – لا يهم- يوحي للعالمين العربي والإسلامي أن القضية الفلسطينية قد تم حلها وأن الشعب الفلسطيني نال حقوقه، تتوج بإعلان كيان فلسطيني مجرد من مقومات عسكرية- حدودية .إلخ كمدخل لإعادة ترتيب وصياغة الأوراق الأمريكية – الإسرائيلية بعد سقوط العراق، وبذلك تكون الإستراتيجية السياسية الاستعمارية قد أرست خططها مع لجم القوى العالمية والعربية المنادية بالحرية وحقوق الإنسان، وإنهاء حالة التعاطف مع القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني كشعب يتعرض للقتل والتشريد والاحتلال، وهو يتوافق مع عملية توطين ترعاها هيئة الأمم المتحدة لفلسطينيين الشتات وفق مشاريع شاملة مع الدول المضيفة أو الموطن البديل لهؤلاء الذي يوجد به اللاجئ الفلسطيني.
هذا السيناريو الأقرب للتحقق وفق الحالة السياسية العامة التي تعيشها المنطقة من متغيرات سياسية على المستوى الدولي والإقليمي، وربما يُدعم ذلك تسارع وتيرة رفع المستوى التمثيلي للمثليات الفلسطينية في أوروبا، واعتراف العديد من الدول بالدولة الفلسطينية.
السيناريو الرابع: إعادة صياغة قوى الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وفق منظور جديد يتوافق والمخططات الأمريكية على غرار النموذج التركي، في ظل سقوط قوى الإسلام السياسي التقليدية في العديد من الدول العربية بعد تجربة حركة حماس في غزة، وسحب البساط من تحت أقدام القوى الحالية مما يمهد لحكم نمطي معين يحقق الأهداف المستوحاة من الإستراتيجية الأمريكية الشاملة للمنطقة.
هذا السيناريو لا يستند للواقعية السياسية الحالية، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل سياساتها لا تثق بالأيديولوجية الإسلامية التي تعاملت معها مسبقاً في أفغانستان، وكذلك لا تثق بأنصاف الحلول، والحلول المؤقتة في ظل مشروعها الشمولي للمنطقة برمتها، والقارئ للأحداث في العراق وأفغانستان واليمن، والسودان ودول القرن الإفريقي يدرك أن جُل هذه الأحداث هي ترتيبات تعتبر كمقدمات لسايكس – بيكو جديد أو مجدد بمفهوم القرن الحادي والعشرين، كما أن المتغيرات المفاهيمية الإستراتيجية الدولية التي أعقبت السيطرة القطبية الآحادية على العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
بذلك فإن هذا السيناريو يسقط كواقع مستقبلي لحل القضية الفلسطينية.
السيناريو الخامس: إعادة إحياء المشاريع الإسرائيلية السابقة، والتي تستند على أن الشعب الفلسطيني غير مؤهل لقيادة نفسه، وبذلك تأهيل الرأي العام العالمي كفكرة إحياء الشكل الكونفدرالي بين الضفة الغربية والأردن من جهة، ومصر وغزة من جهة أخرى، وذلك يتم القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية على حدود إسرائيل.
هذا السيناريو اسقط سابقاً نتيجة العديد من الإسقاطات الفلسطينية التي رفضت مجرد الفكرة، ومناهضتها ومقاومتها في عملية صراع مريرة وطويلة مع النظام الأردني في حقبة الملك حسين، وهو ما أسقطه الأخير من خلال الإعلان عن فك الارتباط القانوني مع الضفة الغربية، كذلك استبعاد موافقة وقبول مصر الفكرة أو مجرد طرحها، بناء على السياسة المصرية القديمة- الجديدة والمعلن عنها بإستراتيجية مصر السياسية.
السيناريو السادس: إنهاء قوى النظام السياسي الفلسطيني الأساسية الحالية الممثلة بحركتي فتح وحماس، والعمل على تفتيت القوى داخلياً من خلال إضعافها وإنهاكها سياسياً وتنظيمياً، وبالتالي إحداث حالات انشطارية لبعض التيارات بداخلها ينتج عنها قوى سياسية جديدة، يمكن من خلالها استقطاب بعضها لعملية تسوويه ضمن سقف سياسي متدنِ يتم من خلاله وضع إطار للحل الشامل، ضمن خطوط لا ترتقي لمستوى الدولة وتقرير المصير، خاصة مع وجود مثل تلك التوجهات لبعض الشخصيات المؤهلة للقيام بذلك الدور.
هذا السيناريو لا يحاكي الواقعية العقلية الوطنية الفلسطينية والعربية، حيث تمت محاولات سابقة لتمريره، وكان من أهمها تشكيل ما يسمى روابط القري، وكذلك في أعقاب حرب 1982م عندما تمت محاولات لإحداث انشطارات في قوى الفعل الفلسطيني، ولكن جميعها فشل في خلق مثل تلك الحالة في الوعي الفلسطيني، وعليه فإن هذا السيناريو غير قابل للإسقاط على الحالة الفلسطينية الحالية.
السيناريو السابع: تنامي وتصاعد بعض القوى الأشد عقائدية" الجهادية" التي تتبنى الفكر الجهادي على غرار تنظيم القاعدة في فلسطين ولبنان والأردن ومصر والدول العربية، وخلق حالة مواجهة شاملة موازية مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وأوروبا تتخذ الشكل الديني والطائفي، والمذهبي، كأداة للمواجهة تنتج حالة عنف دائم يؤدي لصراع على نطاق دولي شامل، يخلق حالة من التوازن بين القوى الاستعمارية، والقوة العقائدية الجهادية الإسلامية تتنافى فيه الحلول السلمية، أو الالتقاء على قاعدة التقارب مما يؤدي لحروب وصراعات دامية تفرز قوى منهكة سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً تفسح المجال لصعود قوى صغيرة تتحكم بزمام الأمور.
في المنظور العام فإن هذا السيناريو يتبين واقعيته من خلال تنامي حالة العداء، والحقد الديني التي يتم تغذيتها بالتحريض من بعض القوى وهو ما يتضح في المنطقة العربية التي بدأت صراعاتها تتخذ الشكل العقائدي والمذهبي والطائفي سواء في العراق(شيعة وسنة، مسلمين ومسيحيين) أو في اليمن( شيعة وسنة، وجنوب وشمال) أو في السودان( مسلمين ومسيحيين) وحالات صراع تتفجر بين الفينة والأخرى في مصر( مسلمين وأقباط) .إلخ، مع تنامي حالات العداء الشديد في البلدان الإسلامية والعربية للغرب عامة، وللولايات المتحدة خاصة.
ورغم ذلك فإن إسقاط هذا السيناريو في المستقبل القريب أمر في غاية الصعوبة، لعدم نضوج العوامل التي يمكن أن تحقق ذلك.
السيناريو الثامن: ظهور قوى قادرة على هزيمة إسرائيل وإنهاء وجودها من خلال الآلة العسكرية، أو القوة العسكرية، وبذلك وضع حل نهائي للصراع الأساسي في المنطقة، خاصة مع ضعف إسرائيل سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، وحالة الوهن والضعف التي صاحبت حرب تموز ضد حزب الله اللبناني، وانسحابها من الحرب دون تحقيق الأهداف المعلنة، وكذلك في حربها الأخيرة ضد غزة 2008م، وتوقفها وانسحابها دون تحقيق أهدافها المعلنة، إضافة لعدم صمود جبهتها الداخلية أمام ضربات المقاومة اللبنانية والفلسطينية على غرار ما كانت تمتاز به إسرائيل في حروبها السابقة.
هذا السيناريو يحاكي عالم خيالي نوعاً ما، في ظل مقارنة إسرائيل رقمياً وبالوقائع على المستويين الاقتصادي والعسكري،. فإسرائيل أحدى القوى النووية العالمية، كما إنها تمتلك أحدث ترسانة أسلحة تقليدية وغير تقليدية سواء في المنطقة(الشرق الأوسط) أو على المستوى العالمي، وما حروبها سالفة الذكر إلا حروب خاطفة ضد قوى غير تقليدية، ولذلك فإن معظم ضرباتها كانت ضد المدنيين العزل مما خلق حالة من السخط الدولي ضدها، أدى لممارسة ضغوط عليها لوقف استهداف حالات الإبادة الجماعية للمدنيين، مما أضعف موقفها السياسي والعسكري، كما إنها لم تستخدم الأسلحة غير التقليدية في هذه الحروب لأنها حروب غير متكافئة العدة والعتاد والأهداف، بل أن التكنولوجيا العسكرية مهما بلغت قدرتها، ودقتها فإنها لا تستطيع مواجهة عدو خفي، يتمتع بحرية حركة غير تقليدية.
أما بفرض مواجهة نظامية بين جيوش فإن القدرة الإسرائيلية العسكرية المتفوقة على كل الجيوش العربية في المنطقة، وكذلك على أي قوة عسكرية موازية سيفرض السطوة التكنولوجية العسكرية الإسرائيلية المستحدثة والمتجددة باستمرار بفعل التكنولوجيا العسكرية الأمريكية التي تزود إسرائيل بكل حديث وجديد، وتزود العرب بما هو تقليدي يعجز عن خوض حرب هجومية رادعة تحررية، وهو ما اتضح في حرب احتلال العراق.
وعليه فإن حتمية هذا السيناريو لا يمكن إسقاطها على الحالة الفلسطينية الحالية في ظل حالة النظام العربي عامة.
وعليه فإننا نخلص إلى أن المنتج السياسي الفلسطيني ما هو سوى جزء من إعادة تصنيع لمنتج المنطقة السياسي برمته، وفق الرؤى والمخططات الأمريكية المرسومة والمعدة للسيطرة والهيمنة على منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر جغرافياً، واقتصادياً، مطمعاً أساسياً للولايات المتحدة وهدفاً استراتيجياً في سياساتها للهيمنة على العالم.
وبناءاً على مما سبق فإن الحالة الفلسطينية، حالة يتم إعدادها وتأهيلها كمدخل لإعادة وتأهيل المنطقة بشكل شمولي كامل ومتكامل.
سامي الأخرس
4 كانون ثان 2011م