الرئيسية المقالات مدارات نجاح الدبلوماسية السعودية وتعثر مساعي غريفيث
نجاح الدبلوماسية السعودية وتعثر مساعي غريفيث
د. محمد علي السقاف
د. محمد علي السقاف

بنهاية شهر يوليو (تموز)، واحتفالات عيد الأضحي المبارك ظهر حدثان رئيسيان طرآ على مشهد الأزمة اليمنية.
الحدث الأول تمثل في نجاح الدبلوماسية السعودية بتقديم للطرفين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي «آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض»، والحدث الثاني ذات الطابع الدولي تمثل في التوقيت نفسه لإحاطة غريفيث الدورية لمجلس الأمن الدولي.
لم يكن من السهل على المملكة العربية السعودية التقريب بين اختلاف، إن لم نقل صعوبة إيجاد أرضية للتفاهم بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، على خلفية تضارب المصالح والأولويات بينهما في تفسير «اتفاق الرياض»، الذي تم توقيعه بين الطرفين في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2019 برعاية المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
فقد قام كل طرف من الطرفين بتفسير بنود اتفاق الرياض بشكل متناقض مع الطرف الآخر: هل البدء بالتنفيذ بالشق السياسي من الاتفاق أم بالترتيبات العسكرية والأمنية بما جاء في الاتفاق؟ أمام هذا الانسداد في الموقف من قبل الطرفين فإن المبادرة السعودية وتسميتها ذات المغزى الكبير بـ«آلية لتسريع تنفيذ (اتفاق الرياض)»، بمعنى آخر كفى ما تم هدره من وقت من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بأكثر من ثمانية أشهر، حان الآن وقت التوصل إلى تحريك بنود الاتفاق لشهر نوفمبر.
وأشارت في هذا الصدد وكالة الأنباء السعودية (واس) نقلاً عن مصدر مسؤول، إلى أن الطرفين وافقا «على النقاط التنفيذية التي تتضمن استمرار وقف إطلاق النار والتصعيد بين الطرفين، وإعلان المجلس الانتقالي التخلي عن الإدارة الذاتية وتطبيق بنود اتفاق الرياض وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن... وتكليف رئيس الوزراء اليمني ليتولى تشكيل حكومة كفاءات سياسية خلال 30 يوماً، وخروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة، وفصل قوات الطرفين في (أبين) وإعادتها إلى مواقعها السابقة، (وإصدار قرار تشكيل أعضاء الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب بمن فيهم الوزراء المرشحون من المجلس الانتقالي الجنوبي فور إتمام ذلك)، وأن يباشروا مهام عملهم في عدن والاستمرار في استكمال تنفيذ اتفاق الرياض في كل نقاطه ومساراته»، وقد ثمنت المملكة التجاوب المثمر من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ووفدي الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أدى إلى التوصل إلى هذه النتائج الإيجابية، وتؤكد في الوقت ذاته أهمية الالتزام بما تم التوصل إليه.
ملاحظاتنا السريعة على تصريح المصدر السعودي المسؤول تتمثل في عبارات ربما بغرض ترك المساحة لتفاهمات لاحقة بين الطرفين مثل قوله: «بخروج القوات العسكرية من عدن إلى خارج المحافظة من دون تحديد مكان وجهتها، بينما في فقرة أخرى أكد بالتحديد فيما يخص فصل قوات الطرفين في (أبين) بإعادتها إلى مواقعها السابقة». والملاحظة الثانية تتعلق بموضوع تشكيل الحكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، بمن فيهم الوزراء المرشحون من المجلس الانتقالي الجنوبي.
والملاحظ في هذه الصياغة أن نصف أعضاء الحكومة المخصصة للجنوب لن يكون حصرياً على الوزراء المرشحين من المجلس الانتقالي، وسيكون هناك مرشحون للوزارة من بقية المكونات الجنوبية خارج إطار المجلس الانتقالي، ما يعني أن «الانتقالي» ليس هو وحده من يمثل الجنوب. أما فيما يخص النصف الأول الخاص بالشمال، فلا يوجد كما يبدو حاجة إلى تخصيص من هي الأطراف التي من الجانب الشمالي سيتم تمثيلها، لأغلب الظن أن لا مشكلة لديهم في توزيع التمثيل بينهم مع الشرعية الرسمية.
وقد أصدر الرئيس هادي مباشرة بعد هذه التفاهمات عدة قرارات؛ الأول يتعلق بتكليف الدكتور معين عبد الملك سعيد (رئيس الوزراء الحالي) بتشكيل الحكومة الجديدة، على أن تستمر الحكومة الحالية بتصريف الأعمال حتى تشكيل الحكومة الجديدة.
والقرار الثاني صدر بشكل قرار جمهوري رقم (5) بتعيين أحمد لملس محافظاً لمحافظة عدن (وهو كان يحتل منصب الأمين العام للمجلس الانتقالي)؛ وصدر القرار الجمهوري الثاني بتعيين العميد أحمد محمد الحامدي مديراً عاماً لشرطة محافظة عدن ويرقى إلى رتبة لواء.
وأعلن المتحدث الرسمي للمجلس الانتقالي الجنوبي تخليه عن الإدارة الذاتية للجنوب دعماً لجهود التحالف العربي في تطبيق اتفاق الرياض، وذلك استجابة لجهود قيادة المملكة العربية السعودية وقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة… لتنفيذ «اتفاق الرياض» وتحقيق الأمن والاستقرار وتوحيد الجهود المشتركة لمواجهة ميليشيات الحوثي والجماعات الإرهابية.
وأوضح بيان المتحدث الرسمي للمجلس الانتقالي الجانب الذي تساءلنا فيه في ملاحظاتنا حول مكان توجه القوات التي ستغادر عدن بقوله إنها ستتم عبر «نقل القوات إلى الجبهات القتالية لتحل محلها قوات الأمن».
ومن الجانب اليمني الرسمي، قال وزير الإعلام معمر الإرياني إن «الشروع بآلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض تتويج للجهود الصادقة والنبيلة التي يبذلها الأشقاء في المملكة العربية السعودية على مدى أشهر امتداداً لدورها البناء في اليمن».
وجاء توقيت الاتفاق على آلية تسريع تنفيذ «اتفاق الرياض» مع إحاطة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث إلى مجلس الأمن الدولي في 28 يوليو (تموز) الماضي، التي يستشف منها تعثر مهام المبعوث الأممي في إحراز تقدم ملموس في التوفيق بين وجهات نظر طرفي النزاع المباشر، حين أشار إلى أن المفاوضات معهما استمرت على مدى أربعة أشهر قدم فيها كلا الطرفين ملاحظات حول مسودات ومقترحات مختلفة، لكنهما لم يتوصلا بعد إلى اتفاق بشأن نص نهائي... قائلاً: يجب أن تكتمل المفاوضات قبل فوات الفرصة السانحة، وبصفتي وسيطاً، لا مفاوضاً، ما زلت أحاول تجسير الفجوة بين مواقف الطرفين وآمل أن يقوموا بتقديم التنازلات الضرورية للتوصل إلى اتفاق فيما بينهم، وهو ليس اتفاقاً خاصاً بي، بل اتفاق يلبي تطلعات الشعب اليمني.
لقد شعرت للمرة الأولى في هذه الإحاطة الأخيرة بنبرة تشاؤمية وخوف من فشل مهمته المكلف بها لحل الأزمة اليمنية، وهي أكثر الأزمات تعقيداً.
ولعل بسبب تعقيدات المشهد اليمني، فقد أحسن المتحدث السعودي المسؤول في نهاية تصريحه حول آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض، بأن يشدد على «أهمية الالتزام بما تم التوصل إليه»، رامياً الكرة والمسؤولية على طرفي الشرعية والمجلس الانتقالي.
*الشرق الاوسط

إقراء أيضا