عاشق اليمن
د. أحمد قايد الصايدي
د. أحمد قايد الصايدي

 عرفته أولاً من خلال كتبه، ثم عرفته من خلال عملنا معاً في قسم التاريخ بكلية الآداب _ جامعة صنعاء.

كان حينما تقابلنا لأول مرة قد تيمَّن وأصبح أكثر اندماجاً في الحياة اليمنية مني.

فلم تكن تفوته المناسبات الاجتماعية، ولم يكن يتخلف عن مجالس القات (المقيل)، عند هذا الصديق أو ذاك. وكانت بساطته ودماثته ولهجته المصرية المحببة، تشكل المدخل السهل لإقامة علاقة شخصية معه، لا تنقطع. وإذا انقطعت بادر هو إلى وصلها من جديد.

عندما التحقت بقسم التاريخ والآثار، كان الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم قد سبقني إليه بعدة سنوات. وكان يرأس القسم حينذاك، المؤرخ المصري المعروف، المرحوم الأستاذ الدكتور محمد أنيس. وكان القسم، كما هو واضح من اسمه، يضم علمي التاريخ والآثار معاً، قبل أن يصبح للآثار قسم مستقل، برئاسة المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الحليم نور الدين.

ولم يكن قد التحق بالقسم من اليمنيين قبلي سوى الأستاذ الدكتور يوسف محمد عبد الله. وبوجود هذه الشخصيات الأكاديمية المعروفة، لم أصادف صعوبة في الالتحاق بالقسم. ولم يمر وقت طويل على وجودي في القسم، حتى عُينت وكيلاً للكلية، ثم عميداً لها.

ولأنني كنت وما زلت أرى بأن الأستاذ الجامعي يجب أن لا يُشغل بالمهام الإدارية، على حساب عمله الأكاديمي، فقد اشترطت لقبولي منصب العميد عدم بقائي فيه أكثر من عام دراسي واحد. وما ينطبق علي ينطبق على الوكيل. ولكن إدارة الجامعة لم تلتزم بهذا الشرط، إلا التزاماً جزئياً، واكتفت في نهاية العام بتغيير الوكيل وإبقاء العميد لعام آخر.

وطُلب مني ترشيح وكيل جديد. فرشحت الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم، زميلي في قسم التاريخ. وهكذا امتدت زمالتنا في العمل الأكاديمي، إلى زمالة في العمل الإداري. وخلال عملنا الإداري معاً في عمادة الكلية، سادت بيننا حالة مثالية من التعاون. وأصبحنا نعمل بتناغم وانسجام وتفاهم، إلى حد أنني لا أذكر أننا اختلفنا يوماً.

فقد كان كل منا يكمل الآخر. فسيد بطيبته ومشاعره الرقيقة، كان دائماً يضفي على الإجراءات الإدارية الصارمة، وعلى مقتضيات اللوائح المنظمة للعمل، قدراً كبيراً من المرونة، يجعل الموظفين والطلاب، يقبلونها ويلتزمون بها، دون تذمر أو تلكؤ.

وكانت تلك صفحة أخرى من صفحات عملنا المشترك، تضاف إلى عملنا في قسم التاريخ. لقد تحدث كثير من زملاء الفقيد وتلامذته وأصدقائه عن حبه لليمن وتعلقه باليمنيين واندماجه في الحياة اليمنية، حتى كاد أن يصبح يمنياً، أكثر منه مصرياً.

وهذا جانب آخر يلقي ضوءاً على شخصية الفقيد، يضاف إلى الجانبين، الأكاديمي والإداري، وإلى إنجازاته العلميه، المتمثلة في العديد من المؤلفات والكتابات والمساهمات، في الندوات والمؤتمرات، وهي إنجازات كرسها كلها تقريباً، لدراسة تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، واستكشاف بعض زواياه المجهولة، أو الغامضة.

تغمده الله بواسع الرحمة، وأسكنه فسيح جناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة صنعاء نائب الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب سابقاً

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي