منذ حرب 1948، وقيام الكيان الصهيوني، لم تكن إسرائيل وحدها مصدر الخطر والتهديد الوجودي للشعب الفلسطيني، بل كانت بريطانيا، وأمريكا، وفرنسا، وروسيا جزءاً من قوة الكيان الصهيوني، وكانت الحروب الخائبة أيضاً مصدر خيبة لأمل الفلسطينيين في التحرر، ورافداً لتغوّل إسرائيل.
كانت ثمرة حرب 1948 المُرة احتلال أكثر من نصف فلسطين، أما حرب 1967 فانتهت بكارثة أكبر؛ هي احتلال كامل الأراضي الفلسطينية، مضافً اإليها احتلال سيناء في مصر، والجولان في سوريا، وغور الأردن.
المقاومة الفلسطينية، منذ كتائب عز الدين القسام منتصف ثلاثينات القرن الماضي، وكفاح المنظمات الفلسطينية منتصف ستينات القرن الماضي، كانت أقوى وأنجح في المواجهة مع إسرائيل، ومثلت الانتفاضاتان الفلسطينيتان: 1987، والثانية في 2000، ذروة الكفاح الوطني الفلسطيني، وقد حققتا، خصوصاً الأولى، نتائج مذهلة.
كانت اتفاقات مدريد وأوسلو بداية الخط الراجع، والانحراف 180 درجة عن كفاح الشعب الفلسطيني، والأمة العربية.
تدمير الكيانات العربية القوية أو إضعافها: مصر حزيران 1967، ولاحقاً الكيان العراقي، والسوري، والليبي، واليمني، وحالياً السودان - كلها تصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي؛ ليصبح القوة الوحيدة في المنطقة كلها.
استبداد الأنظمة العربية، والثروة النفطية، ومطامع الجوار، لعبت الدور الأخطر في التمكين للقوى الكبرى في تدمير الكيانات العربية القوية، وتسيد إسرائيل.
يتصدر اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً، والأشد عداوة للحق الفلسطيني المشهد. فمنذ بداية هذا العام يقتل 170 فلسطينياً، وتطلق حكومة نتنياهو يد القوى الدينية المتطرفة لمد الاستيطان إلى كل أراضي الضفة الغربية، بما فيها مناطق ألف، وباء التابعة للسلطة الفلسطينية التي لا حول لها ولا طول؛ فهي مكبلة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل الذي يجعلها رهينة لإسرائيل، ويبدو أنها لا تستطيع الخلاص من هذه الأسر الصهيوني إلا بحل نفسها.
الشعب الفلسطيني الآن يواجه أكبر المخاطر المحدقة به منذ أكثر من ثلثي قرن؛ فالأمريكان بالأساس، والمستعمرون القدامي: بريطانيا، وفرنسا، اعتمادهم الكلي على إسرائيل، والأمريكان يتراجع نفوذهم في المنطقة لصالح إسرائيل، وهي بصدد فرض التطبيع على كل دول المنطقة بما فيها العربية السعودية.
امتناع السعودية، والضغوط الكبيرة والمساومات، لا يعني الانحياز للقضية الفلسطينية، وإنما هناك مساومات على المركز الأول في المنطقة، والسعي للحصول على الاعتراف بما أنجزته السعودي؛ وهو كثير، ثم مساومتها أيضاً حول وضعها الحالي كقوة إقليمية إلى جانب إسرائيل، وتركيا، وإيران.
مخاطر المساومات قد تطال فلسطين، واليمن بصورة أساسية؛ فالتقارب السعودي مع الصين وروسيا، والتصالح مع إيران جزء من الضغوط المتبادلة، والمرعب أن يكون التطبيع على حساب فلسطين، واليمن، وربما السودان، والمراكز العربية الكبيرة التي تشاركت كل هذه الأطراف في تدميرها، أو إضعافها.
تهويد فلسطين، وابتلاع الضفة الغربية، والسيطرة الكلية على القدس هدف التصعيد الإسرائيلي الحالي.
المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني كثيرة، والاستمرار بالتنسيق الأمني لسلطة «أبو مازن» مع التيارات الصهيونية الأشد تطرفاً وغلواً في الفصل العنصري جد خطير، كما كما أن تعميم الاستيطان، والتهويد والتطبيع مع الأنظمة العربية الداعمة لإسرائيل بالمال، وشراء صفقات السلاح لا يقل خطورة؛ فالتطبيع الإبراهيمي لا يعني إلا التحالف الأمني والعسكري.
يعتقد القادة الصهاينة: اليمين، واليسار العلماني أن هذه الفترة أعظم فرصة لهم لتصفية القضية الفلسطينية، وفرض التطبيع على المنطقة كلها؛ فالعالم مشغول بالحرب في أوكرانيا، والمنطقة العربية في غاية الضعف، وشعوب الأمة محاصرة بالأزمات الشاملة، والحروب، وبطغيان الاستبداد، وتسيد الأنظمة التابعة والمطبعة.
التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية، والاعتداءات اليومية منذ مطلع العام، وإطلاق يد المستوطنين، ورفع كل القيود الشكلية عن الاستيطان، وتحت حراسة الجيش والشاباك - خطرُهُ كبير، وحالياً يتأهب الجيش لاجتياح الضفة، والتداول يدور حول: أي الخيارين أفضل: تزويد المستوطنين بالسلاح، وبالمساندة، والتدخل المحدود عند الضرورة، أم الاجتياح؟
إن درس غزة ما زال ماثلاً، ومعركة جنين ونابلس المتكررة تعطي درساً في استحالة قهر المقاومة، وأنها غاية في الخطورة على الجيش، ومعركة جنين يوم الاثنين 18 يونيو تدلل أن امتلاك المقاومة للعبوات الناسفة درس بليغ للجيش الذي «لا يقهر»، ثم إن تحويل المواجهة الحالية إلى صراع بين المستوطنين، والشعب الفلسطيني قد يمتد إلى الداخل الإسرائيلي؛ وهو ما يلوح به ابن غفير الداعي إلى الاعتقال الإداري ضد المعارضين اليهود والعرب.
تحويل الصراع إلى صراع ديني، وتهويد القدس لن ينهي الصراع، وإنما قد يطيل أمده، ويمتد به إلى المنطقة كلها.
التيار العلماني الصهيوني المؤسس للكيان الإسرائيلي عجز، رغم الحروب المستدامة، والتشريد لأكثر من نصف شعب فلسطين - عن اقتلاع هذا الشعب، أو إخماد المقاومة.
المجيء باليمين التوراتي الصهيوني الأكثر تطرفاً وفاشية للاستيلاء على ما تبقى من أرض الضفة الغربية يُواجه بالمقاومة المتجددة دوماً.
إرادة الأمة العربية المغيبة باستبداد الحكم، وبالحروب المفروضة، وتحطيم الكيانات الكبيرة، ونهج التطبيع، وتهافت السلطة الفلسطينية المكبلة بالتنسيق الأمني، والمخنوقة بنهب عائدات الضرائب من قبل إسرائيل، وتضاؤل الدعم الدولي والعربي- كلها مخاطر محدقة بالقضية الفلسطينية.
الحكام العرب المستبدون- كالاحتلال الإسرائيلي- لا يحسبون حساباً للصمود الفلسطيني، ولا للإرادة العربية التي يمكن أن تستجيب للتحدي المهدد لوجودها في أية لحظة، وقد يكون صعود اليمين التوراتي مظهر من مظاهر أفول نجم الصهيونية بوجهيها: العلماني، والديني.
الإصرار الصهيوني على اقتلاع شعب فلسطين مازال حاضراً، وهو في تصاعد؛ فمنذ يوم الأربعاء 20 يونيو يقتحم أربعمئة مستوطن قرى شمال الضفة الغربية، وتحت حراسة الجيش يجري إحراق 35 منزلاً، و65 سيارة، وتُمنع فرق الإطفاء من إطفاء الحريق، ويقتل ثلاثة فلسطينيون، ويصاب العشرات من المتصدين بأجسادهم،.وبالحجارة للفرق الصهيونية البربرية، والجيش الفاشي في ظل صمت دولي مريب وعربي فاجع.
عن موقع قناة بلقيس الفضائية