لا صوت يعلو على صوت التغيير، ولو دوى الرصاص. وليست ثورة تونس وحدها هي ما جعل مفكرة العالم العربي مملوءة بأيام الغضب. بعضه غضب صارخ في الشارع. وبعضه الآخر غضب مكبوت لا أحد يعرف متى ينفجر في أية عاصمة. ففي القاهرة وبقية المدن والمحافظات المصرية تظاهرات حاشدة تطالب برأس النظام الذي ولّد كثيراً من المتظاهرين بعد توليه الرئاسة منذ ثلاثين عاماً. وفي اليمن تظاهرات في العاصمة تطالب برأس النظام الذي له 32 سنة في الرئاسة، وحراك جنوبي يطالب بالانفصال عن الشمال الذي خاض حتى الآن ست حروب مع الحوثيين. وفي الأردن تظاهرات تطالب باستقالة الحكومة واجراء اصلاحات سياسية واقتصادية.
لكن الأنظار موجهة نحو مصر، حيث الحرائق والصدامات ولجوء الرئيس حسني مبارك الى حظر التجوال بصفته الحاكم العسكري بموجب قانون الطوارىء المعمول به منذ العام .1981 فالموقع الجيوبوليتيكي لمصر بالغ الأهمية في الحسابات الاستراتيجية المتعلقة بالشرق الأوسط. ولا مجال للمقارنة بينه وبين موقع تونس. فالتغيير في تونس ليس من النوع الذي يبدّل الحسابات الاستراتيجية. في حين ان التغيير في مصر ينعكس على كل العالم العربي كما على موقع اسرائيل ومعاهدة السلام مع مصر والنفوذ الأميركي في المنطقة ومواقف قوى (الاعتدال العربي) من تعاظم النفوذ الايراني.
حين بدأت التظاهرات في تونس واندفع النظام في قمعها، كان السؤال الذي تصدّر كل الأسئلة هو: ما هو موقف أميركا والجيش? والجواب جاء واضحا. ادارة الرئيس أوباما مشت مع التغيير وتخلّت عن حليفها الذي صار ورقة محروقة. والجيش المحترف الذي لم يكن له دور سياسي امتنع عن القمع وحماية زين العابدين بن علي وطالبه بالرحيل.
أما في مصر، فان المواقع والمواقف مختلفة. الجيش الذي نزل الى الشوارع هو الذي قام بثورة يوليو وبقي (الحزب) المهم الممسك بالنظام وحاميه وصاحب (الشرعية) في تقديم الرؤساء من صفوفه، والرئيس أوباما تحدث عن نصيحتين الى الرئيس مبارك. واحدة سابقة حول ضرورة الاصلاحات السياسية والاقتصادية. وأخرى حالية هي ان العنف ليس حلاً.
لكن اجراء الاصلاحات كان صعباً على الرئيس المصري الذي تقول المعارضة ان ما يشغله هو ضمان (التوريث) لنجله جمال. والعنف هو الرد الأول الذي يقدمه النظام، لأن التخلّي عنه يضع استمراره في مهب الريح.
والموقف الشعبي محكوم بالتصعيد، سواء انتهى الأمر بالحصول على الاصلاحات أو بتنحي الرئيس أو بوضع حدّ لمسعى (التوريث).