الرئيسية المقالات مدارات الخطاب الإعلامي العربي والقضية الفلسطينية
الخطاب الإعلامي العربي والقضية الفلسطينية
د. سامية الأغبري
د. سامية الأغبري

كنت قد أعددت منذ سنوات مضت، ورقةً بحثية بعنوان "دور الإعلام العربي في مواجهة المشروع الصهيوني"، وتناولت فيه سمات ذلك الدور وتأثيره السلبي غالبًا على القضية الفلسطينية، ومن خلال متابعتي المتواصلة لتغطية الإعلام العربي لطوفان الأقصى، لاحظت أنّ الإعلام العربي ما زال إلى حدٍّ كبير لا يقوم بالدور المفترض منه تجاه نصرة القضية الفلسطينية، وقبل أن أتطرق للدور الذي يقوم به الإعلام حاليًّا؛ أي بعد طوفان الأقصى، سأستعرض لكم باختصار واقع القضية الفلسطينية، ثم أهم سمات دور الإعلام العربي إجمالًا، قبل وبعد طوفان الأقصى، والدور المفترض أن يقوم به الإعلام العربي تجاه القضية الفلسطينية.


بداية مرت القضية الفلسطينية خلال عمرها الطويل الذي يتجاوز خمسًا وسبعين عامًا بنكبات رئيسية؛ أولها نكبة 1948، وثانيها نكبة 1967، وثالثها نكبة القدس 2016، وصفقة القرن 2020، وغيرها.


وتعدّ القضية الفلسطينية قضية أرض وشعب وحقوق مسلوبة، فالقضية الفلسطينية مرتبطة بالمسألة اليهودية؛ وذلك لأنّ اليهودية دين وليست قومية، فكان ينبغي إدماج اليهود في دولهم، لكن الغرب عملوا على محاربتهم في مجتمعاتهم، والعرب والمسلمين شاركوا (بوعي أو بدون وعي) في المخطط الغربي لتجميعهم في فلسطين على حساب أبنائها الأصليين.


وكانت تلك هي خطة الرأسمالية العالمية لإنشاء قاعدة متقدمة في فلسطين لقمع أيّ حركة عربية وطنية (قومية) تحررية تواجه الرأسمالية المستغلة؛ لذلك فالقضية الفلسطينية هي القضية المركزية الرئيسية (الأم) بالنسبة للعرب أولًا، وللمسلمين ثانيًا، وللإنسانية برمتها ثالثًا.


وما الصراع الطائفي والإرهاب إلا الخطة الجديدة للرأسمالية العالمية لتقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة، يسهل السيطرة عليها أو إعاقة نموها وتطورها.


ما قبل الطوفان


ومن خلال استقراء سمات الدور الذي قام به الإعلام العربي تجاه القضية الفلسطينية ما قبل طوفان الأقصى، يلاحظ ما يلي:


تبنى الإعلام العربي المقولات الصهيونية (بوعي أو بدون وعي)، أهمّها أنّ الفلسطينيين باعوا أرضهم ولم يكافحوا من أجل قضيتهم، رغم أنّ الشعب الفلسطيني ضعيف ماديًّا ومكبل اليدين، ولم يحصل على مساعدة جدية من الأنظمة العربية لمواجهة التفوق الصهيوني في العدد والعدة.

روّج الإعلام العربي لفكرة هروب الفلسطينيين من أرضهم وعدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل وأمريكا كدول متفوقة عسكريًّا؛ أي روج لفكرة الاستسلام وعدم جدية المقاومة.

استخدم الإعلام العربي مصطلحات على أساس أنه يشتم بها إسرائيل بصفتها دولة محتلة دون أن يدرك أنه يروج لمقولات صهيونية؛ كأن يسميها بالدولة العبرية، وهي تعني أن اليهود هم العابرون من نهر الفرات، وأن أصلهم من العراق، وهي المقولة التي يروج لها الصهاينة بأنهم قومية عبروا من العراق والأردن، بينما تشير المراجع التاريخية إلى أن اليهود قدموا من دولة الخزر في بحر قزوين في منطقة دلتا نهر الفولغا، وهُم -أي اليهود- قدموا عام 802م من إيران بزعامة الحاخام عبادي- كما يذكر د. محمد علي عودة.

كما أنّ الإعلام العربي غير مدرك لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي جيدًا بَدءًا من مقاومة الفلسطينيين وتضحياتهم الكبرى في هذا الصدد، ولا يعرف بحجم التضحيات التي قدموها، حيث قدم الفلسطينيون سبعة آلاف شهيد في الثورة العربية الكبرى في الأعوام من 1936-1939، وهي ثورة (عز الدين القسام).

والأنكى من ذلك، تركيز الإعلام العربي على أنّ إسرائيل هزمت سبعة جيوش عربية، دون أن يوضح بأن كل الجيوش العربية حينها كانت أقل من 25 ألف جندي، وكانت الجيوش العربية عبارة عن جيوش حراسات في مقابل 100 ألف مقاتل صهيوني مسلحين جيدًا، منهم 20 ألفًا كانوا يسمون بالفيلق اليهودي في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.

والسلاح عند العرب كان بسيطًا، فلا توجد لديهم ذخيرة لدرجة أنّ قائدًا فلسطينيًّا، وهو (عبدالقادر الحسيني)، اضطر إلى أن يترك السلاح كي يأخذ ذخيرة من سوريا لمدافع تقليدية. وفي المقابل، فإن اليهود كان عندهم صناعة السلاح في المستوطنات، بالإضافة إلى ما يُهرَّب إليهم من الغرب.


لم يُشِر الإعلام العربي إلى الصفحات المجيدة في تاريخ المقاومة العنيدة في 1948، ويوم الأرض 1976، وانتفاضة الحجارة في عام 1987، وكل الصفحات المشرقة في تاريخ النضال الفلسطيني، سوى بأسلوب خبري تقريري يركز فيها على قوة إسرائيل في قمع تلك الثورات المتعاقبة.

فحين تختلف الأنظمة العربية مع الفلسطينيين، يتم تصوير الفلسطينيين بأنهم مناضلو فنادق خمس نجوم، حيث يركز الإعلام العربي على الناس المرتزقة، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية؛ وذلك ليقدم الذريعة للأنظمة العربية حتى لا تدعم الفلسطينيين.

كما يؤكد الإعلام العربي على أنّنا نحارب من أجل فلسطين، وهذا تشويه للحقائق؛ فنحن في الحقيقة لا نحارب من أجل فلسطين فحسب، بل نحارب أيضًا من أجلنا كعرب في مواجهة المشروع الصهيوني الذي يريد أن يسيطر على العالم العربي برمته.

كما يتبنى الإعلام العربي مقولات، منها: أن اليهود لهم حق إقامة دولة لهم، وأن إسرائيل دولة ديمقراطية، ويتم المساواة بين ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي وما تقوم به المقاومة للدفاع عن أرضها.

وبالنسبة لدور الإعلام العربي في نقل السفارة الأمريكية للقدس، فلم تُغطَّ المظاهرات الكبيرة في الضفة الغربية والقدس كما ينبغي، ولم يُغطَّ الدور الأمريكي في دعم إسرائيل، فالإعلام العربي ساهم في الترويج لصفقة القرن.

كما حاول الإعلام العربي من خلال صفقة القرن، إلغاء الصراع الديني بين المسلمين واليهود على أساس أنهم من أصل واحد، فهم جميعًا ينتسبون لسيدنا إبراهيم (عليه السلام)، أي روج للتطبيع معهم، وذلك إرضاء أو خوفًا من حلفاء إسرائيل وأمريكا والدول الغربية، واعتراف أنّ اليهودية دين مشترك، بينما إسرائيل لا تمثّل اليهودية وإنما الصهيونية.

ما زال الإعلام العربي يروج للمصطلحات والمفاهيم التي يُطلقها الصهاينة والغرب، مثال ذلك مصطلح "غلاف غزة"، الذي ينبغي أن يلغى ويقال: الأراضي المحتلة المحيطة بغزة، وبدلًا عن "إسرائيل" ينبغي أن يقال: "الكيان الصهيوني المغتصب".

وما بعد الطوفان


وإذا ما استطلعنا دور الإعلام العربي حاليًّا بعد طوفان الأقصى، فسنجده ما زال إعلامًا خبريًّا تقريريًّا يركز في الغالب الأعم على ما تفعله إسرائيل من جرائم إبادة جماعية وتهجير وحصار في الأرض المحتلة، وخاصة غزة، وتصور المعركة وكأنها فقط بين حماس وإسرائيل، فيشيع الحزن والكآبة لدى الشعوب العربية والإسلامية ويروج (بقصد أو بدون قصد) للاستسلام وإطفاء روح المقاومة، وأن إسرائيل وأمريكا وحلفاءها سيبيدون الشعب الفلسطيني ولن تقوم له قائمة بعد ذلك.


ويرددون المقولات الصهيونية بأن أسرى المقاومة الفلسطينية هم رهائن لدى حماس؛ وبالتالي تصوير حماس بأنها ميليشيات إرهابية وليست مقاومة فلسطينية للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بدلًا من وصفهم بأسرى الحرب.


كما أنّ الإعلام العربي لا يركز على ما تصنعه المقاومة الفلسطينية بإسرائيل، وأهمية دعمها ماديًّا ومعنويًّا، ويردد مقولة العقاب الجماعي، وأهمية حماية المدنيين، وكأن قصف إسرائيل المدمر لغزة والمدنيين فيها وقتل الأطفال والنساء وتهجير السكان، سببه ما قامت به حماس بطوفان الأقصى، وليس عملية مخططة لها منذ سنوات طويلة.


فما زال الإعلام العربي يروج للمصطلحات والمفاهيم التي يُطلقها الصهاينة والغرب، مثال ذلك مصطلح "غلاف غزة"، الذي ينبغي أن يلغى ويقال: الأراضي المحتلة المحيطة بغزة، وبدلًا عن "إسرائيل" ينبغي أن يقال: "الكيان الصهيوني المغتصب".


كما أنّ الإعلام العربي ما زال يردد مصطلح الصراع بين حماس وإسرائيل، وهو ما يردده الإعلام الإسرائيلي والغربي والمفترض أن يستبدل في الإعلام العربي بعبارة "الصراع بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني المحتل".


ويتجاهل أو يقلل الإعلامُ العربي مما أحدثته المقاومة الفلسطينية من خلال طوفان الأقصى بالكيان الصهيوني والغرب، وكشفت مخططاته الاستعمارية وهمجيته، كما لم يركز على أهمية ما نتج عنه من تحول جذري في مسار النضال الفلسطيني، حيث بدأ الرأي العام الغربي والكثير من اليهود والقوى السياسية والناشطون في مجال حقوق الإنسان يتفاعلون ويدعمون القضية الفلسطينية، ويصفون إسرائيل بأنها دولة عنصرية ومحتلة لأرض فلسطين.


ولم تغطَّ المظاهرات والفعاليات في الدول العربية والغربية بما فيه الكفاية، لحشد الدعم الكافي للقضية الفلسطينية، فلأول مرة تخرج مظاهرات عارمة ترفع الأعلام الفلسطينية في مختلف الدول الغربية وأمريكا نفسها، ورغم محاولة الأنظمة الغربية قمعها، منها: السويد، وكندا، وبريطانيا، وإسبانيا، وأمريكا، وألمانيا، وغيرها.


كما أنّ المؤرخ الإسرائيلي (إيلان بابيه) وصف حركة حماس بأنها حركة نضالية تحريرية، وليست تنظيمًا إرهابيًّا، وعبّر الكثير من مشاهير هوليوود الأمريكان عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية.


ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في كشف القوى والدول والشخصيات والمنظمات التي انحازت للكيان الصهيوني، والتي وقفت في صف القضية الفلسطينية واعتبرتها قضية عادلة لشعب محتلة أرضُه، وعانى من القمع والتشريد والفصل العنصري.


ولأن المقاومة الفلسطينية ما زالت مستمرة، ومن الصعب إطلاق أحكام نهائية على دور الإعلام العربي في نصرة القضية الفلسطينية والوقوف ضد المشروع الصهيوني، فيمكنني أن أضع بعض النقاط المهمة التي ينبغي أن يركز عليها الإعلام العربي مع طوفان الأقصى، ولعل أهمها:


يفترض أن يقوم الإعلام العربي بتعبئة واسعة النطاق للإشادة بالبطولات الفلسطينية المتعاقبة، وأهمها طوفان الأقصى.

وأن يساهم الإعلام العربي في تهدئة الخلافات بين حركة حماس وفتح، وأن ينتصر الفلسطينيون لفلسطين ويروّجوا لكل ما من شأنه التقريب بين الفصائل الفلسطينية، وعلى سبيل المثال لا الحصر إبراز المقابلة التي أجريت مع سفير فلسطين من حركة فتح في لندن، حيث رفض إدانة حماس وأدان جرائم إسرائيل بغزة.

كما يجب على الإعلام العربي أن يقوم بفضح الأكاذيب والخرافات الصهيونية والغربية، وإظهار حقيقة أنّ الشعب الفلسطيني حينما يجد الدعم سيعمل المعجزات، ومثال ذلك 1 يناير 1965 عند انطلاق الثورة المسلحة لحركة فتح، التي كان شعارها (ديمقراطية علمانية على كامل التراب الفلسطيني) بكل فصائلها (فتح - الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش - الجبهة الديمقراطية بقيادة نائف حواتمة)، وأيضًا المطران كابوتشي الذي ضبطه الإسرائيليون وهو يهرّب سلاحًا للمقاومة الفلسطينية، والتعريف بذلك والإشادة به.

والأهم الإشارة إلى دعم مصر عبدالناصر للقضية الفلسطينية، سواء من حيث الدعم المادي أو المعنوي.

على الإعلام العربي أن يوضح حقيقة المشروع الصهيوني والصراع الوجودي بين هذا المشروع ذي النشأة الغربية الأوروبية والأمريكية، والمواجهات الدامية بينه وبين المشروع القومي العربي الذي يجسد الحقوق المشروعة للشعوب العربية صاحبة الأرض والتاريخ وصانعة التراث الحضاري في هذه البقعة من العالم.

كما أنّه عند منع إسرائيل رفع الأذان من مساجد القدس، قبل سنوات عديدة، قامت الكنائس -بالمقابل- برفع الأذان، مما يدل على وحدة النضال الوطني للشعب الفلسطيني؛ ولذا ينبغي أن يركز الإعلام العربي على وحدة النضال القومي العربي في مواجهة إسرائيل وأمريكا.

ألّا يتم ترديد كلمة إسرائيل ولا الأراضي الإسرائيلية، وإنما الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي حال اعتراف إسرائيل بالحقوق الفلسطينية في إقامة دولة فلسطين على حدود عام 1976 وعاصمتها القدس، فإن العرب يمكن لهم في ظل اتفاقية السلام أن يعترفوا بدولة إسرائيل.

وأن يدعو الإعلام العربي جميعَ الدول العربية لحشد كل أصدقائها الحقيقيين وحلفائها في الجمعية العامة للأمم المتحدة لمنح الفلسطينيين العضويةَ الكاملة في الأمم المتحدة، وإن كانت تحت الاحتلال.

على الإعلام العربي أن يركز على التعريف بالقضية الفلسطينية بصورة مستمرة، ويدعو لقيام سوق عربية مشتركة تمهيدًا لقيام اتحاد فيدرالي، وعمل مشاريع مشتركة، ويوضح أهمية هذه السوق المشتركة لصالح كل دولة عربية، خاصة أننا في عالم التكتلات الاقتصادية الكبرى، فالسوق العربية المشتركة ستخلق المصالح والمنافع بين البلدان العربية، وستزيل الخلافات التي زرعها الاستعمار.

تركيز الإعلام العربي على أنّ الصراعات الطائفية الدينية داخل كل دولة عربية أو بين الدول العربية بعضها ببعض من صنع الكيان الصهيوني منذ فترات تاريخية مختلفة، ويستند إلى أدلة تاريخية وحالية.

يجب أن يفرق الإعلام العربي بين قضايا التحرر الوطني والإرهاب، ويركز على المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية.

ويركز أيضًا على التمييز بين المصالح المشتركة للعرب والخلافات السياسية، بحيث يعطي الأولوية للمصالح المشتركة وتقريب وجهات النظر في مسألة الخلافات السياسية.

يتوجه الخطاب الإعلامي العربي، وخاصة الموجه باللغة الإنجليزية، إلى الرأي العام الغربي والأمريكي لكسب تعاطفه مع القضية الفلسطينية.

وعلى الإعلام العربي أن يوضح حقيقة المشروع الصهيوني والصراع الوجودي بين هذا المشروع ذي النشأة الغربية الأوروبية والأمريكية والمواجهات الدامية بينه وبين المشروع القومي العربي الذي يجسد الحقوق المشروعة للشعوب العربية صاحبة الأرض والتاريخ وصانعة التراث الحضاري في هذه البقعة من العالم.

إقراء أيضا