مع حلول الذكرى السابعة والأربعين لجريمة الحادي عشر من أكتوبر 1977م، لاغتيال القائد الوطني الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، رئيس مجلس قيادة حركة الثالث عشر من يونيو التصحيحية، وأخيه الشهيد الرائد عبدالله الحمدي، قائد قوات العمالقة، والإخفاء القسري للأخوين الرائد علي قناف زهرة، قائد اللواء السابع مدرع، والرائد عبدالله الشمسي، قائد المنطقة الوسطى، اللذين تم اعتقالهما مع مجموعة من القيادات العسكرية، بينهم منصور عبد الجليل، قائد قوات الشرطة العسكرية، الذي تم الإفراج عنه في اليوم التالي بعد انتهاء تنفيذ الجريمة، والإبقاء على زهرة والشمسي مغيبين إلى اليوم.
كما تلت تلك الجريمة تصفيات عدة لآخرين، ومع ذلك خرجت وسائل الإعلام ببيان تقول فيه إن أيادي غاشمة امتدت إلى قيادة الدولة ورئيسها إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله. وبعد هذا كله، ما نستغربه هو موقف تلك القيادات الاجتماعية والسياسية والإعلامية والنخب، وممن حضروا مأدبة الغداء، بأن ترتكب مثل تلك الجريمة على مأدبة غداء وتحت خشبة أحد أعضاء مجلس قيادة حركة الثالث عشر من يونيو، الذي تم تنصيبه بعد ذلك حاكمًا.
إن هذه الجريمة والسلوك المشين لا يمت لقيم وأخلاق المجتمع اليمني الأصيل والعربي والإسلامي بصلة، لكن المستغرب كيف قبلت تلك النخب والقيادات السياسية والاجتماعية أن تمرر عليها تلك الجريمة وتتجاهل ما كان يتم من تصرفات من قبل قوى التنفيذ والفساد. وبالاطلاع على مخرجات مؤتمر خَمر الثاني وما أسفر عنه من نتائج وقرارات تضمنت في بعضها أن مشكلة اليمن هي في إبراهيم الحمدي وأنه يجب التخلص منه لتحقيق الإصلاح، وشكلت لجنة برئاسة عبدالله بن حسين الأحمر، أوكلت إليها متابعة تنفيذ تلك القرارات واتخاذ كل الإجراءات والوسائل والأساليب لتنفيذ قرارات مؤتمر خَمر الثاني، من بينها التخلص من الرئيس الحمدي، وأن تبقى تلك اللجنة في خَمر حتى إنجاز مهمتها.
والسؤال هنا: كيف مرت هذه الجريمة والأحداث التي رافقتها وما سبقها على تلك النخب وتلك القيادات؟ وهل هو بداية السقوط الأخلاقي والقيمي لهم؟ لأن ما جاء بعده وما وصلنا إليه اليوم من سقوط جعل من السارق والمرتشي والمنحط وعديم الأخلاق والمنافق والمتزلف والكاذب وناهبي المال العام وبائعي الأوطان حمران عيون! وجعل من الشريف وطاهر اليد والصادق سخيفًا! وللأسف الشديد، هذا ما وصلنا إليه بعد تلك الجريمة النكراء.
إن الظاهرة الوحيدة المشرفة التي جاءت لإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح والحفاظ على المشروع الوطني، مشروع الدولة المدنية التي أُغتيل قائدها وربان سفينتها، كانت انتفاضة 15 أكتوبر 1978 الناصرية، التي قادها كوكبة من القيادات الناصرية من أبناء هذا الوطن، مستهدفين استعادة مشروع الحركة وكشف جريمة 11 أكتوبر ومن ورائهم من المجرمين المحليين والإقليميين، مضحيين بأرواحهم في سبيل استعادة المسار وتصحيح الواقع، خاصة أنهم نهجوا لتحقيق تلك الأهداف بطرق ووسائل سلمية دون إراقة قطرة دم واحدة، وقد ضحى في سبيل ذلك واحد وعشرون شهيدًا، لا تزال حتى هذه اللحظة لم تسلم جثامينهم.
فعن أي نخب وأي مجتمع تتم فيه هذه الجرائم وهذا السقوط الأخلاقي ولا يقف المجتمع أمامها؟ بل للأسف، يُكافأ المجرمون والقتلة بتوقيع اتفاقية، وهي اتفاقية الكويت 1979، التي تحميهم وتحافظ على بقائهم وتصد ثورة الشعب على مواجهتهم. لقد مثلت اتفاقية الكويت 1979 التي حمت القاتل وحاشيته من السقوط أمام انتفاضة وتحرك قيادات وقواعد جبهة الثالث عشر من يونيو الناصرية للقوى الثورية والجبهة الوطنية الديمقراطية، والتي كانتا تقودان الكفاح المسلح بعد فشل الانتفاضة، وكانت قد أصبحتا على تخوم العاصمة صنعاء بعد إسقاط كل من محافظة (البيضاء، مأرب، إب). ليحكم اليمن بعدها بثلاثين عامًا تم تدمير ما تبقى من الأخلاق والقيم وتمزق النسيج الاجتماعي ووحدته. بل أن الحال لم يتوقف عند هذا، وبعد أن خرج الشعب عليه في انتفاضته الشعبية في فبراير 2011م، يقوم مجلس النواب، وبتدخل دول الإقليم التي كانت وراء جريمة 11 أكتوبر 1977م وتنصيبه حاكمًا، بمنحه الحصانة ومن شاركوه السلطة خلال فترة حكمه ليصل الوطن إلى ما هو عليه اليوم من دمار وكارثة.