الرئيسية المقالات مدارات التدليس في التحليل السياسي والعسكري للصراع الفلسطيني-الصهيوني
التدليس في التحليل السياسي والعسكري للصراع الفلسطيني-الصهيوني
محمد مسعد الرداعي
محمد مسعد الرداعي


البعض من السمج والأمراض فكريًا والمتمترسين مذهبيًا ومناطقيًا من عملاء الصهاينة والاستعمار والرجعية العربية، لم يدركوا حتى اليوم أن ما يحدث في فلسطين مع العدو الصهيوني المحتل هو صراع وجود وليس صراع حدود. هو صراع بين أمة العرب وبين قوى الاستعمار والإمبريالية والصهيونية العالمية، وأن إسرائيل هي أداة هذه الدول التي أنشأتها ومكنتها من فلسطين قلب الأمة العربية. 



وقد حدد الصهاينة أن دولتهم ستكون من النيل إلى الفرات، وهذا ما توضحه أدبياتهم. وقد قامت الأمم المتحدة بمنحهم الموافقة على إقامة دولتهم في فلسطين حين نص القرار على إقامة دولتين: دولة إسرائيل ودولة فلسطين على أرض فلسطين.



ليس هذا ما يهمنا هنا، ما يهمنا هو ما نسمعه من بعض القنوات الفضائية والمحللين السياسيين والعسكريين والكتّاب والمفكرين حول طوفان الأقصى وما تم في 7 أكتوبر 2023 في محيط غلاف غزة، وما قامت به المقاومة الفلسطينية من سبق، معتبرين ذلك تهورًا ومغامرة غير محسوبة، وأن هذا دفع من قبل إيران للتآمر على حماس وحزب الله على المقاومة الفلسطينية وعلى فلسطين. وأن تلك صفقة قدمتها إيران لأمريكا وإسرائيل، في تجاهل وقراءة مغلوطة للتاريخ ورصد أحداثه من مؤتمر بال 1905 وحتى اليوم، متجاهلين ما تنص عليه أهداف الصهيونية وتوجهاتهم من إقامة دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات، والتي تسيطر على فلسطين ولبنان والأردن وسوريا وأجزاء من العراق ومصر والسعودية. متجاهلين أيضاً  أن دولة إيران وحتى عام 1980 كانت مع أمريكا والصهيونية في ظل حكم الشاه وفي عداء للشعوب العربية. كما أن المشروع الصهيوني وإقامة دولة إسرائيل كان سابقًا للمستجد والمتغير في موقف إيران بعد ثورة الخميني.



بل إن هؤلاء الكتّاب والمحللين يتجاهلون ما تمارسه وتقوم به دولة إسرائيل من عدم التزام وتنفيذ لقرارات الأمم المتحدة منذ عام 1948، وكذلك ما توقعه من اتفاقات بدءًا من اتفاق كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة. كما أنهم لم يستوعبوا ما تمارسه من توسع وبناء المستوطنات ومن اعتداءات على المسجد الأقصى، وما وصلت إليه من إعلان بأن القدس عاصمة لدولة إسرائيل، وما قامت به أمريكا من مسارعة لنقل سفارتها للقدس تأييدًا لهذا الإعلان.



 كما إن هؤلاء يتجاهلون ما تتعرض له غزة من حصار ظالم طيلة سبعة عشر عامًا. وكذلك يتجاهلون مشروع الشرق الأوسط الكبير وصفقة القرن، والذي بدأ طرحهما وتنفيذ خطواتهما بالتطبيع مع بعض الدول العربية، وكذلك الاستهداف والعدوان على بعض الدول العربية التي كانت في عداء ومواجهة لإسرائيل، وفي مقدمة هذه الدول العراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان والسودان، وما تعرضت له من عدوان وتدمير وتغيير أنظمتها تمهيدًا لإخراجها وتحييدها من المواجهة ودعم المقاومة الفلسطينية.



 ويتجاهلون خطوات البدء في تنفيذ صفقة القرن، والتي كانت من ضمنها القيام بتهجير أبناء غزة والضفة الغربية إلى كل من سيناء والأردن ولبنان والعراق والسعودية. وقد قامت بمناقشة ذلك مع كل من السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر وقيادات عراقية، وتكفلت دول عربية بتحمل نفقات ذلك. وكان هذا المشروع في طور التنفيذ، لولا أن جاء طوفان الأقصى في 7 أكتوبر ليسبق ويعيق نفيذ عملية التهجير.



فإن كانت هذه هي المجريات وسير الأحداث على الأرض، وهي حقائق ووقائع مجسدة في الواقع، فكيف لهؤلاء الكتّاب والمحللين السياسيين والعسكريين يتجاهلونها ويمارسون التدليس والتشويه للحقائق ويمارسون الإساءة للمقاومة الفلسطينية والتقليل من تضحياتها، ويتجاهلون مسيرة خمسة وسبعين عامًا من الصراع مع هذا العدو. مسيرة كفاح طويلة تؤكد أن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وأن لا تفاوض ولا تصالح ولا اعتراف مع هذا العدو.



بل إنهم يتجاهلون ما تقوم به دولة الاحتلال من جرائم في غزة، ومن تصفية عرقية ومن حرب إبادة ومن تدمير الشجر والحجر، وما تمارسه من حصار ومنع لدخول المواد الغذائية ومن قطع المياه في ظل سكوت العالم وتفرجه بل وانحيازه لهذا العدو ودعمه وتمويله بالسلاح والمال، وخاصة من قبل الدول الاستعمارية الإمبريالية أمريكا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا.



فكيف لهؤلاء لا يستوعبوا ما يتم وما يمارسه هذا المحتل من جرائم يندى لها الجبين، وكيف لهم يصرون على تشويه الحقائق والصراع وإبعاده عن حقيقته وخلفيته والذهاب به إلى ما يريده العدوان ويخدم أجندته.


إقراء أيضا