الرئيسية المقالات مدارات 22 مايو: ذكرى عظيمة في واقع مشروخ
22 مايو: ذكرى عظيمة في واقع مشروخ
صالح المنصوب
صالح المنصوب


في مثل هذا اليوم، وبدلاً من الخوض في جدل الذكرى بين مؤيد ومعارض، وغاصب ومسرور، هل لنا أن نجعلها مناسبة لتقييم العلاقة بين الماضي والحاضر، والتأمل في مكامن الإخفاق التي ينبغي علينا ترميمها وإصلاحها بإخلاص، دون مكابرة أو عناد؟


أعتقد أن الحاضر أسوأ من الماضي، فقد أصبح الميدان ملوثًا بالفوضى وتعطيل القانون، وتركنا المجال مفتوحًا لمصانع الموت التي تهيئ لفتن كبرى. بذور الشر لا تزال عالقة في نفوس البشر، والبغضاء تتسع وتنشر حماقتها في المجتمع، وكل ذلك لأنك لا تتفق مع رأيٍ ما، سواء كنت مصيبًا أو مخطئًا.


تُغتال أحلام الناس باسم الوطنية والقضية والإنسانية والدين، وتُخدع الجماهير بالشعارات، وتبقى كثير من الحقوق مجرد أحلام وأمنيات كاذبة. هناك من يرفع شعارات بعيدة عن الواقع، كانت سببًا في التعاسة دون أن يدرك المواطن ذلك، وحتى إن طالب بحقوقه، لاحقته تهمة الخيانة.


هكذا تتصادم الأجيال بين مشاريع تعجيزية شاخت، وبين مشروع يُفرض وآخر يُرفض. إنها فجوة صنعتها النخب السياسية الانتهازية التي لم تقيّم أخطاء الماضي ولم تنطلق نحو المستقبل، بل انشغلت بحجز المقاعد وتكريس قداسة الحاشية التي تضلل الناس.


يعيش الناس في الشمال ظلمًا عظيمًا، ومرضًا ألمّ بالجسد اليمني ولم يتعافَ منه. جوع وفقر وظلم وجهل، ولا حلّ لإنقاذ هؤلاء، ومن يجرؤ على المطالبة أو الانتقاد، فمصيره الموت. ورغم ذلك، يُحتفل بذكرى الوحدة، في وقتٍ يعلم فيه الجميع أن الوطن ممزق. أما "الشرعية"، فهي منقسمة بين من يحتفل بالذكرى ومن لا يعترف بها.


الكل يراهن على الشارع، لكنه الخاسر الأكبر، إذ غرد هذه المرة خارج السرب. مطالبه باتت واضحة: ماء، كهرباء، إصلاح اقتصادي. لم تعد تُجديه نفعًا مطالب الإلهاء والإغواء، وربما سيتفق الفرقاء على القمع، لأن هذه المطالب تستهدفهم جميعًا.


إن 22 مايو ذكرى عظيمة وجميلة، لكنها تمر اليوم على أنقاض وطن يتشظى وينقسم ويغرق. صدرت دعوات لإصلاح مسارها، لكنها قوبلت بتجاهل، حتى بلغ المطالبون بالحقوق حد اليأس، وتُركت في نفوسهم ندوب عميقة وتراكمات. السنوات الطويلة من الشحن ضدها لم تكن المشكلة الوحيدة، بل المشكلة الحقيقية تكمن في شراكة من يحتفلون بها بينما ممارساتهم تتنافى مع قيمها، وفي من يرفضها دون أن يمتلك مشروعًا بديلًا واضحًا. المواطن بقي بين هذا وذاك منقسمًا ومُثقلًا بالتشتت.


نحن نعيش مرحلة شرخ كبير وتفتت في الجسد اليمني، صنعته قوى كانت سببًا فيما جرى في الماضي، وتواصل اليوم شحن الشارع لتستفيد من الأخطاء المتراكمة. أما الخطأ الأكبر، فهو الوحش القادم من الكهوف، الذي التهم الجميع وهم في غفلة التوزيع والمحاصصة. ضُربت الهوية، والتعايش، وقيم الوطنية، وقفز كثيرون من مركب النجاة، تاركين وطنهم يغرق ويتفتت.


فبدلًا من الانشغال بالماضي وثقافة الانقسام، لماذا لا نتجاوز تعاسة المرحلة؟ لماذا لا نعبر نحو تنافس حقيقي يخدم الوطن ويعيد الأمل للناس، بعيدًا عن مشاريع الإلهاء والتنويم والتبرير؟



إقراء أيضا