الرئيسية المقالات مدارات انفصال السودان.. خطيئة من؟
انفصال السودان.. خطيئة من؟
الخليج الإماراتية
الخليج الإماراتية

أعلنت اللجنة المسؤولة عن تنظيم استفتاء جنوب السودان أن ما يقرب من 99% ممن شملهم الاستفتاء من أهل الجنوب يرغبون في الانفصال عن الوطن الأم . قرار خطير لا يمكن أن يأخذه إنسان إن لم تكن قناعته أن الفراق أفضل من البقاء من جميع الوجوه، وهذا أمر يحتاج إلى تأمل، سواء من حيث أسبابه، أو من حيث نتائجه . وهذه المعرفة كما هي ضرورية للسودان، وكذلك لكثير من البلدان العربية بسبب التنوع الذي تمتاز به من حيث موارد الاعتقاد، أو جذور الانتماء العرقي .

والأسباب قد تكون متنوعة، لكنها لا تخفي أن المسؤولية تقع على صانع القرار الذي كان ينبغي له أن يدرس كل الاحتمالات، وأن يدرك كل المصادر السياسية المحلية والإقليمية والدولية التي تغذيها، وأن يضع الاستراتيجية التي تعالجها .

الانفصال كان وليد سنوات من الحرب الداخلية أسهمت في إذكائها تدخلات خارجية، إلا أنها ولدت في رحم السياسات الداخلية الخاطئة . والتدخلات الخارجية عنصر قائم في معظم البلدان النامية، لكن القدرة على التعامل مع العوامل الخارجية من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية تجعل المواطنين يعتزون بمواطنتهم وفي الانتماء إلى بلدانهم . ولا يمكن للناس أن تترك بسهولة حالاً مناسبة فعلاً إلى حال أفضل خيالاً .

الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة، والبلدان الغربية عموماً، كانت تشجع بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة التمرد الذي بدأ قبل عقود طويلة، وقد عملت على رعاية وصوله إلى غايته النهائية . ولو مددنا البصر إلى الماضي لأدركنا من واقع عدم الاستقرار السياسي المتواصل في السودان أن الدولة انصرفت عن وضع السياسات المناسبة، أو حين وضعها لم تتمكن من تطبيقها عملياً على نحو منظم بما يكفل احتضان كل المواطنين في رحاب البلد .

البلدان الأخرى، خصوصاً المتقدمة منها، استطاعت أن تخلق بوتقة تصهر فيها إلى حد كبير مختلف شرائح المجتمع من خلال سياسات المشاركة السياسية، والعدالة التشريعية، والتنمية الاقتصادية، والمساواة الاجتماعية، وهي بهذا قننت الشكوى ووجهتها في مسارات سلمية تحفظ وحدة بلدانها . كانت القناعة لدى هذه البلدان أن الجسم الضعيف يجتذب الميكروبات كلها والفيروسات كلها، فعملت على تجاوز الضعف من خلال السياسات المناسبة .

وما نشهده في وطننا العربي أن سياسات بعض البلدان تنهك قوتها وتجعلها فريسة لكل تدخل خارجي، وحينما تقع الكارثة فلا ينفع الاحتجاج به، لأن مسؤولية مواجهتة أولاً وأخيراً تقع على عاتق الدول نفسها .

لقد آن الآوان في ظل التجارب المأساوية المتتالية التي نشاهدها على امتداد وطننا العربي أن نأخذ العبرة منها، بأن نجري إصلاحات شاملة تحتوي المواطنين بدلاً من أن تغربهم عن دولهم، وتقصيهم عن حكوماتهم.

افتتاحية صحيفة الخليج

إقراء أيضا