عندما تكون غارقا في ظلمات الإحباط، وحينما تطبق عليك أزماتها وتعتصرك أنت ووطنك ومستقبل أبنائك، وبينما أنت تحت ضغط اليأس تتجرع كؤوسها المريرة... إذا بك فجأة ترى في الأفق بارقة أمل تلوح في الأفق... وتبدو أمام ناظريك توهجات واعدة تعتمل شيئا فشيئا لتنتشلك من بين براثين تلك الظلمات، فماذا سيكون شعورك؟
بالتأكيد أن ذلك سيثيرك وسيجعلك في أشد الاشتياق لتكون في مركز تلك الإشعاعات لتستنير بضيائها، وتستمتع بتوهجاتها.
المتعة التي أتحدث عنها ليست تلك المتعة الترفية العبثية... بل هي متعة التحرر من قيود الظلم... متعة التخلص من العجز المطبق وبلوغ الفعل المدوي في الأفاق.. متعة التجلي من الظلمات إلى النور... متعة صنع مجد الحاضر والمستقبل.
السباق المحموم بين الفضائيات على مختلف غاياتها ومشاربها في تغطية فعاليات هذه الثورة قد حملها على فتح شاشاتها وميكرفوناتها لتنشر في كل ساعة وكل لحظة ما هو حق وما هو باطل... وما هو حقيقي وغير حقيقي... وما يستحق أن ينقل وما لا يستحق... وما يجب أن يعرف عنه وما لا يجب معرفته...الخ، وهذا وبتلك الخصائص يجعل الصورة لديك أحيانا ضبابية خصوصا في ظل الحملات الدعائية والحملات المضادة المستعرة حاليا بين ما يمكن الاعتماد عليه منها في الحصول على المعلومة الصحيحة.
من هذا المنظور لا أخفيكم أن من أشد الأمنيات التي ثارت في نفسي وأنا أتابع ثورة الشباب المتوقدة حاليا في مصر هو لو أن لي في لحظة من لحظات التمني هذه أجد في متناولي (بساط ريح الفنان فريد الأطرش) لينقلني إلى ميدان التحرير بقاهرة المعز حتى أكون في أوساط أولئك الشباب لاقف وعن قرب على بدائع الإبداع الثوري البطولي المتعدد الصور والأشكال التي صدرها هؤلاء الشباب بدمائهم منذ 25 من يناير المنصرم ولا زالوا حتى اليوم يصدرونها بإصرار وصمود بالغين وينقشون لبطولاتهم وبأحرف شديدة التوهج في سجل تاريخ مصر والأمة العربية أنقى الصفحات.
بالطبع لا حول ولا قوة لبلوغ تلك الأمنية، ولا من وسيلة أو سبيل بديل للفضائيات وما هو على شاكلتهما من وسائل الإعلام، ومن ثم فلا بد من عناء البحث هنا وهناك وتلقي الغث والسمين ثم الفرز والتحليل وأخيرا استخلاص الحقيقة.
من تلك المنهجية لتتبع فعاليات ذلك التفاعل هناك الكثير عما يمكن قوله ويطول شرحه عنها، لكني سأحاول في هذه الأسطر التركيز على ما أفلت أو رشح من مشاهدها الإبداعية وتمكنت من الوقوف عليه، وسا أبداء بما هو أكثر إثارة للإعجاب.
في واحدة من فلتات الإعلام الرسمي المصري التي لم أجد لها تفسيرا حتى الآن سوى محاولة الالتفاف على ثورة الشباب وإفراغها من منجزاتها أو امتصاص غضب الشارع حيال الانتقادات التي يواجهها التلفزيون المصري في تغطيته للأحداث الدائرة في مصر، قام أي التلفزيون المصري ببث ندوة حوار كان حضورها أحد قيادات أحزاب المعارضة وأحد المفكرين المصريين، ومجموعة من شباب مصر، بعضهم من الذين شاركوا في التظاهر والاعتصام ثم انصرفوا عن ذلك والبعض من الذين لا يزالون مشاركين في الاعتصام بميدان التحرير حتى الآن، تخللها مداخلات هاتفية داعمة من بعض شخصيات النظام من وقت لآخر، ودارت خلال هذه الندوة حوارات ساخنة بين حضورها حول ما دار وما يدور في مصر وكيفية الخروج من الأزمة...الخ.
بالتأكيد كان تركيزي على ما أجهله وبالطبع هو معرفة خطاب ومنطق هؤلاء الشباب الغائبون الحاضرون أو الحاضرون المغيبون حيال ما قاموا به وما يطالبون به ويسعون إلى تحقيقه، فكانت المفاجئة...
على العكس مما تصوره بعض أجهزة الإعلام خصوصا المصرية ولو على استحياء بسطحية هؤلاء الشباب وعفويتهم وتواضع مداركهم حيال مصر وأمنها واستقرارها وتاريخها النضالي...الخ.
كان طرحهم مخرسا لكل تبريرات وأطروحات غيرهم المحمومة حاليا تحت غطاء تجاوز الأزمة...
كان طرحا مدعوما بالحجة البليغة... مستبينا ومبينا للحلول والمخارج الناجعة... مستلهما لمصر التاريخ والحاضر والمستقبل ولجميع مكوناتها وخصائصها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها...
كان طرحا به من القوة والجرأة ما مكنهم من انتزاع وإجبار مخالفيهم في الرأي سواء من حضور هذه الندوة أو حضور ندوات الفضائيات المصرية من رجال الفكر والسياسة والفن المجندون باتجاه تسويق وإقناع الرأي العام المصري برواء النظام وأطروحاته، ما مكنهم من إجبار أولئك على الاعتراف والتسليم بأن ما حققوه أي هؤلاء الشباب حتى اليوم كان فيما قبل 25 من يناير 2011م من قبيل الوهم والخيال البعيد المنال...
كان طرحا به من الصلابة والتماسك والوفاء لتضحياتهم ما يحمل على الإقناع وإثارة الإعجاب.
بالطبع لهذه الثورة وكما تفصح وقائعها منذ انطلاقتها وحتى اليوم من السمات والآليات والخصائص ما كان أيضا وعلاوة على إثارته للإعجاب قد مدها بما هي بحاجة إليه من قوة وصمود وقدرة على التأثير، ما هو جدير أيضا بالتغني والإشادة به والتأكيد عليه في مثل هذه التناول باعتبارها دروس عملية بليغة ونادرة جدا يجب الاستفادة والتعلم منها وعدم تفويت فرصها، ومن أبرزها الأتي:-
برأتها (كبرأة الذئب من دم يوسف) من أي هوية سياسية سواء داخلية أو خارجية أصبغ عليها قدرا من الصفاء والنقاء بما لم يتح أدنى فرصة لتلطيخها بقاذورات السياسة.
أطيافها شكلت تجسيدا قويا لتلاحم وطني صارخ بين فئات وطوائف الشعب المصري.
أساليبها السلمية مثلت نهجا حضاريا نموذجيا وقويا في التعبير عن الحقوق، وانضباطها المحكم عكس قدرات حقيقية على دك معاقل الظلم والاستبداد، وهو ما بدى جليا في تمكن سلمية مظاهرات واعتصام هؤلاء الشباب في قهر طغيان النظام وعنف بلاطجة الشارع وكيد انتهازي الحزب الوطني سواء التابعين للأجهزة الأمنية أو غيرها والتي عكست إفلاس النظام وتخلفه ذهنيا وماديا في التعامل مع أبناء شعبه.
فعالياتها أنتجت أدبيات بديعة، برزت من خلالها أجمل وأزهي تجليات صور الثراء الإبداعي لمصر وأبنائها وشبابها، ولعل أبسط مشاهد ذلك متجلية فيما يعبق فواحه من ميدان التحرير بشتى صور التعبير الحضارية عن مطالبهم ومطالبتهم بها.
بالتأكيد لذلك أهمية كبرى في الحفاظ على الثورة ونهجها وحماية مسيرتها حتى تحقق انتصاراتها المنشودة،، ولكن أيضا ومن منظور موقع مصر الريادي بالغ التأثير في الأمة، فإن لها في نظرنا نحن العرب من الأهمية ربما ما يفوق ذلك... لأننا نرى في انتصارها انتصارا للأمة بأكملها،، وهو ناصركم...
وفي انتكاستها نكسة للأمة جمعاء.
وأخيرا لا يفوتني القول لهؤلاء العظماء من شباب مصر صحيح أن أيادينا وأيادي أخوانكم في كافة الأقطار العربية عاجزة وقاصرة عن أن تقدم لكم دعما ماديا ملموسا من شأنه تعزيز مواقفكم وصمودكم، لكن قلوبهم معكم، وما هو أعظم وأبلغ... الله معكم