الرئيسية المقالات مدارات السعودية: الملك لله والحكم للشعب
السعودية: الملك لله والحكم للشعب
د.مضاوي الرشيد
د.مضاوي الرشيد
يبدو ان النظام السعودي لم يفهم بعد تغير المعادلات في المنطقة العربية وثورات الشباب القائمة على قدم وساق في شمال افريقيا وفي جنوب الجزيرة العربية وشرقها، وقد يعتقد ان هذه الثورات ما هي الا استجداء للخبز والرز لانه لا يعلم ان الثورات لا تنطلق في المناطق المعدومة بل هي تنطلق في البلاد التي تكثر فيها الطاقات البشرية والطبيعية، وتصطدم هذه بانغلاق فرص التحصيل واثبات الوجود عند شرائح متعلمة ذات طموحات عالية تقمعها الاجهزة التسلطية.

هذا الوضع مكتمل تماما في السعودية حيث هناك انفجار تعليمي شامل ومقدرات بشرية هائلة ذات تحصيل علمي مرتفع، وهي قد عبرت عن نفسها حتى هذه اللحظة في مجال الاعلام الافتراضي ودعت الى يوم غضب في الشهر القادم وستكون الايام القليلة الآتية حبلى بالمفاجآت او خيبة الامل، تماما كما حصل بعد اعلان الملك عن مكارم ملكية يرجو منها استيعاب الغضب والتململ من انعدام الاصلاح السياسي في البلاد حيث اعتقد النظام ان اصلاحه الاجتماعي اولا والديني ثانيا سيغلق ملف التغيير، ولكن هذه الاصلاحات كانت موجهة للخارج وليست مطلبا داخليا حقيقيا لذلك اثبتت عدم قدرتها على امتصاص الامتعاض من سياسة الاستفراد بالسلطة والقرار.

اليوم نحن بصدد الاصلاحات السياسية وفتح ملفها بالكامل وليس بصدد موائد (مفطح) توزع على شعب الجزيرة او مساكن شعبية تباع له بعد ان تسلب ارضه من قبل تجار الاوطان، وهم شريحة صغيرة من الامراء الذين وزعت عليهم البلاد يستثمرونها ومن ثم يبيعونها إلى أصحابها الحقيقيين.

لن يرضى شعب الجزيرة بعد اليوم الا بالتغيير الشامل لعقلية الحكم وممارسته ولن نستحضر مصطلح الاصلاح الذي صادره النظام بعد ان كان مطلبا شعبيا منذ اكثر من عقدين.

لقد فات الاوان واليوم هو منطلق لحقبة جديدة تتطلب التغيير تحت شعار واحد وهو شعار 'الملك لله والحكم للشعب'. هذا الشعار يجب ان يكون الاطار الذي تتبلور تحته جهود قد تختلف في منطلقاتها واستراتيجيتها ومفاهيمها ولكنها قد تتحد تحت هذا المنطلق النبيل الذي يختزل تطلعاتنا لنهضة الجزيرة، ومن هذا المفهوم تتلاشى محاولات الاصلاح البائسة التي قدمها النظام بمناسبة عودة الملك الى البلاد وتتلاشى الملكية ذاتها التي لم تكن يوما ما الا تشويها لديننا وتراثنا وماضينا وحاضرنا وعاداتنا وممارساتنا، حتى اصبحنا دون الاسم والهوية وارتبطنا بأسرة طارئة على التاريخ دخيلة عليه وتقمصنا هذه الشخصية حتى تساءلنا من نحن وأين هو وطننا وما اسمه! ان رفعنا هذا الشعار فنحن بالضرورة نرفض انصاف الحلول المطروحة كحل الملكية الدستورية الباهت لعدة اسباب، اولها ان الملكيات الدستورية في العالم العربي وفي المئة عام السابقة ارتبطت بالمرحلة الاستعمارية في المغرب والعراق ومصر والآن في بلدان اخرى اقرب الى جزيرتنا. لقد ادخل الاحتلال ومنطلقاته الكولونيالية مفهوم الملكية الدستورية ليضبط الملك والشعب ان تمرد الاول استنجد الاستعمار بالشعب وان تمرد الثاني استنجد الاستعمار بالاول، والعارفون بتاريخ المغرب العربي هم ادرى بلعبة الكر والفر هذه وتحولت الملكيات والشعوب الى رهينة في يد الاستعمار، لذلك نعتبر الملكية الدستورية خدعة لن تنطلي علينا في السعودية وتتحول الى 'حبوب مخدر' في انتظار الصحوة الحقيقية لان الصحوة هذا يومها وموعدها.

فتاريخ الملكيات الدستورية اسود كتاريخ الاحتلال ومنظومته اما ممارساتها الحالية فهي اكثر سوادا وما لنا عبرة الا في اخواننا العرب الذين يخضعون لمنظومتها الناقصة حيث يتلاعب الملوك بالمجالس التشريعية، وقد ينتهي الامر بضرب النواب وحل مجلسهم بين الحين والحين وتعليق الدساتير واعادة صياغتها حسب الاهواء والمزاج وتاليف حكومات لا تعكس اكثرية ولا اقلية سوى تمثيل الطاقم الحاكم وان تكرم هذا فللشعب كهرباء وماء وصحة وما تبقى من حصص الاسد معروف مصيرها.

ثانيا: ان كانت الجزيرة العربية ستنتفض بانتفاضة تبقى متمسكة بتاريخها وموقعها كقلب العالم الاسلامي فلا بد للتغيير فيها ان يلتزم بمعطيات دينية جديدة ترفض الخطاب المبتذل والمتعلق بالفقه السياسي السعودي القائم على مبدأ كسر الظهور وسرقة المال المسلم به حاليا من قبل شريحة ستصبح على هامش التاريخ في المستقبل القريب. وسيجد التغيير القادم ان النصوص المعتمد عليها ستكون ضد ملكيات مطلقة كانت ام دستورية حيث اتحدى فقهاء الجزيرة ان يخرجوا لنا بنص صريح قاطع على شرعية الملكية بشقيها المستبد المطلق او الدستوري المستحدث في ظروف تاريخية لا نامل عودتها واعادة افرازاتها المقيتة، الا اذا كانوا سيعتمدون في مرجعياتهم على فقه عصر الانحطاط الاسلامي ونصوصه التي ثبتت الغلبة والعنف والاستيلاء على السلطة كمفاهيم فقهية سياسية لا نزال نعاني من تبعياتها حتى هذه اللحظة. ونعلم علم اليقين ان الكثير من دعاة الاصلاح في الداخل قد يطلقون شعار الملكية السدتورية والذي اصبح اليوم يتداول دون مغبة الوقوع في فخ الاعتقال ولكنهم في قرارات انفسهم يعلمون علم اليقين ان هذا الحل النصفي ما هو الا من باب التقية السياسية الآنية، ولكننا من موقعنا في الخارج لا نؤمن الا بمبادئ نستطيع ان نعلنها دون اجندة خفية لاننا ابتعدنا عن المراوغة وتعلمنا الصدق مع الذات اولا. وثالث الاسباب لرفض اطروحات الملكية الدستورية يتعلق بكون هذا المطلب جناحا هامشيا في الأسرة يحاول التسلق الى اعلى الهرم على ظهر المجتمع واطيافه الطامحة للتغيير.

لن يرضى شعب الجزيرة ان يكون مطية للأجنحة المهمشة في معركة داخلية يديرها اقطاب النظام السعودي المتمكنون منهم والمهمشون سياسيا. هذه هي معركتهم وليست معركتنا نحن ابناء هذا الوطن الذي لقي خلال العقود الماضية أسوأ اساليب التعامل مع مجتمع له كرامة حيث تحول هذا المجتمع الى شعب يعتقد النظام انه شعب تربى على التسول والصدقات ونسي معنى الحقوق والواجبات واليوم نجد بعضهم يبيعه وهما جديدا يسمى الملكية الدستورية. ورابعا: من يعتقد ان الملوك عامل وحدة ولحمة عندما يرتبط حكمهم بالملكية الدستورية المقيدة هو الآخر يعيش وهما كبيرا حيث ان التاريخ يشهد على الدور التقسيمي والتفتيتي للمجتمع بطوائفه ومناطقه وقبائله الذي لعبه النظام السعودي خلال القرن المنصرم، فأي ملك يهمش منطقة كاملة كعسير والحدود الشمالية لتصبحا من اكثر المناطق نقمة على المركز وتفرز تيارات اتجهت للعنف كحل اخير لمأساتها، وأي حكم يوحد عندما يستثني شرائح كبيرة من وزاراته بسبب طائفتها او انتمائها القبلي، وأي موحد يؤسس دولة على اكتاف شريحة كبيرة مختلفة ومن ثم يعود ويختزل الدولة في رجال من قرى تعد على اصابع اليد تحتكر القرار والثروة وتستعبد العباد في مواطنهم في اكبر عملية ماكيافيلية عرفتها الجزيرة العربية ومن ثم سميت عملية توحيد زورا وبهتانا.

واخيرا عندما نجحت الملكيات الدستورية في بلدان كبريطانيا واسبانيا وهولندا وغيرها كانت هناك مؤسسات مدنية فاعلة وقادرة على الضغط على صانع القرار واجباره بالسيف حينا والتمرد حينا آخر على تقديم تنازلات جوهرية. وأين نحن من هذه المؤسسات القوية التي ارتبطت بنمو تاريخي واجتماعي مستقل عن ارادة الملك وجوقته وكيف للملكية الدستورية ان تستوعب اكثر من سبعة آلاف أمير معظمهم يعتاشون على معاشات شهرية من الخزينة ناهيك عن دخل خلف الكواليس لا يعلم تفاصيله الا المنجمون والسحرة. وكيف نحد من استئثار هؤلاء بالمناصب الكبيرة والصغيرة التي مكنتهم من السيطرة على فعاليات المجتمع الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والشبابية.

يجب على الحالمين بالملكية الدستورية ان يخنقوا الحلم قبل ان يتحول الى كابوس جديد يلاحقنا حتى بداية القرن الجديد القادم. وما اسهل بيع الاوهام وتصديقها ان كانت مرتبطة بجهود اعلامية جبارة وثروات باهظة. لنرفع سقف مطالبنا بعد ان نثرت لنا الحبوب على ارصفة لم تعد تحتمل الطوفان. لقد استكملنا مستلزمات التغيير والثورة الحقيقية وشبابنا جاهز لا ينقصه سوى الشرارة الاولى وفي مرحلة الانتظار ليس لنا من بديل سوى شعار 'الملك لله والحكم للشعب'.

القدس العربي

إقراء أيضا