الرئيسية المقالات مدارات حديث المبادرة ... وحديث الثورة
حديث المبادرة ... وحديث الثورة
د. عبد الرشيد عبد الحافظ
د. عبد الرشيد عبد الحافظ

عندما بدأ الحديث عن مبادرة خليجية لحل الأزمة اليمنية؛ توجس الكثير من اليمانيين خيفة من أن تكون هذه المبادرة فخا ينصب لثورتهم يئدها في مهدها أو على الأقل يعيقها عن بلوغ كل أهدافها. ولهذا التوجس ما يبرره، ليس فقط بسبب ما تختزنه الذاكرة اليمنية من مشاعر سلبية تجاه سلوك بعض الأنظمة الخليجية وبالتحديد الشقيقة الكبرى في علاقتها ـ بل انغماسها غير البريئ ـ في الشأن اليمني، ولكن أيضاً بسبب من طبيعة المشكلة التي ستتجشم هذه الأنظمة عناء البحث عن حلول لها، كون أغلب هذه الأنظمة ليست بعيدة عن تحد مماثل لما يواجهه النظام في اليمن، بل إن مثل هذا التحدي أصبح حقيقة واقعة بالفعل لبعضها، ومن الطبيعي أن تدرك هذه الأنظمة أن أثر نجاح الثورة في اليمن سيكون حاسماً لا شك في تأجيج الثورات في المنطقة كلها !!. وبالإضافة إلى ذلك فإن افتقاد خبرة سابقة لدى بعض الأنظمة الخليجية في التعاطي مع قضايا مثل: الثورة الشعبية، والانتقال السلمي للسلطة، والتحول الديمقراطي، ونحوها؛ كل ذلك لا يسمح بالتفاؤل لنجاح هذه المبادرة الخليجية.

ومن الطبيعي لكل ذلك أن تأتي المبادرة الخليجية مضطربة ومربكة في آن. فهي مضطربة بسبب التغيير المتوالي لمضمونها في صورها الثلاث التي ظهرت بها في 3 إبريل ثم 10 إبريل ثم صورتها الأخيرة التي طُلب من الأطراف اليمنية التوقيع عليها كما هي بدون قيد أو شرط. وهي مربكة بسبب افتقارها إلى الصياغة الفنية المهنية، وبسبب غموض بعض بنودها وحاجتها إلى التفسير والتوضيح.

وقد وضعت المبادرة كلا من النظام والمعارضة في موقف صعب، فمن ناحية النظام كان ما يراه من المبادرة أنه بعد شهر من التوقيع سيكون لا مفر أمامه من الرحيل. ومن جانب المعارضة، كانت ترى أن بعض بنود المبادرة مثل تأخير التنحي لمدة شهر، وتقديم ضمانات بعدم المحاكمة ربما يتعارض مع توجهات الثورة الشعبية في ساحات الاعتصام وإرادة الشعب كله، ومن ثم فإن الإقدام على الموافقة قد يثير البلبلة في أوساط الثوار.

ولكن في المقابل كان رفض أي من الطرفين للمبادرة سيعني أن يصبح الطرف الرافض مكشوفاً في مواجهة كل الأطراف الإقليمية والدولية التي دعمت المبادرة.

وتبدو لنا اليوم حنكة المعارضة اليمنية عندما أعلنت موافقتها على تلك المبادرة بعد التطمينات التي تلقتها حول تفسير بعض بنودها، وبالذات ما يتعلق منها بعدم المساس بحقوق المعتصمين والمتظاهرين، وأسلوب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية. فالنظام اليوم في موقف جد عصيب، وأحلى الخيارات أمامه أكثر مرارة؛ فإذا رفض التوقيع سيفقد كل مصداقية أمام الخارج وسيكون مكشوفاً تماماً وفاقداً لأي غطاء كما لم يكن مكشوفاً من قبل. أما إذا وقَّع على المبادرة فإنه يكون قد عجل بدفن نفسه بنفسه، لأن التوقيع سيعني رحيل رأس النظام بعد شهر لا محالة، ولنتصور الهلع الذي سيكون عليه أزلام النظام عندما يتيقنون أن ساعة الرحيل قد حانت وعلى كل منهم أن ينجو بنفسه من مصير محتوم في القريب العاجل. ثم إن البند ثالثاً في المبادرة ـ الذي جاء بطلب من النظام ـ والذي ينص على منح رأس النظام وأعوانه الحصانة ضد الملاحقة القانونية، لن يعني شيئا سوى أنه سيكون وصمة عار في جبين هذا النظام برئيسه وأعوانه. ولست أدري كيف يمكن لعاقل (ولكن لله في خلقه شئون) أن يتبرع من ذاته بالاعتراف بجرائمه جهارًا، ثم يطلب خلافاً لكل الشرائع والدساتير والقوانين والأعراف والاتفاقيات عدم ملاحقته قضائيا، أليس هذا هو الخذلان بذاته. مع العلم أن هذا البند في المبادرة ـ وحتى مع كل الضمانات الواقعية الإقليمية والدولية ـ لن يحول دون الملاحقة القانونية لرأس النظام وأعوانه داخلياً وخارجياً، وأقول ذلك بكل ثقة واطمئنان من ناحية قانونية.

هذا بعض حديث المبادرة ... أما عن الثورة، فإن ما يجب فهمه أن هذه المبادرة كانت لها ـ بسبب سوء الفهم ـ بعض الآثار السلبية على قوة الدفع الثوري منذ بدء الحديث عن هذه المبادرة، وتسببت في إثارة بلبلة في أوساط شباب الثورة، ومع كل ذلك فإن تجاوز هذه المرحلة بهذا الصمود وبهذا التلاحم؛ يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الثورة ماضية في طريقها إلى النصر بإذن الله تعالى نحو إنجاز كل مهامها. وينبغي أن يعي الثوار منذ الآن بأن أي جهد سياسي أو تفاوضي لا ينبغي أن يلهيهم أو يعيقهم عن المضي في خطى مدروسة للوصول إلى إنجاز هذه الثورة وتحقيق أهدافها كاملة، من خلال برنامج نضالي تصعيدي قادر على إزالة هذا النظام عنوة وبلا قيد أو شرط، وهذا ما يبدو أن الأقدار تسوقنا إليه سوقاً، والنصر قادم بإذن الله لا محالة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي