الرئيسية المقالات مدارات بروفة أخيرة للزحف نحو القصر
بروفة أخيرة للزحف نحو القصر
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

في جمعة الحسم انطلقت الخطوة الأولى في مشوار الزحف نحو القصر ... ذلك ما دشنه مئات الآلاف من الثوار الذين أدوا صلاة الجمعة على امتداد شارع الستين حين ولوا وجوههم صوب السبعين وخطو خطوة واحدة في حركة رمزية جماعية حملت في طياتها رسائل في غاية الأهمية.

لكن على ما يبدو فان علي صالح لا يريد أن يفهم الرسالة رغم بساطتها ووضوحها، ولأبعد من ذلك ذهب "زعيم السبعين" لتهديد الشعب بالحرب والإبادة وقال: كفاكم لعباً بالنار وسنواجه التحدي بالتحدي.

وبين قرار الحسم من قبل الثوار واستعدادات النظام للمواجهة يحاول صالح جر الثورة الشعبية السلمية نحو العنف والصدام وصولا للحظة الانفجار التي اقتربت ساعتها وفق المؤشرات على الأرض. وفي أسبوع اتسم بالعنف وهستيريا القتل كانت الدماء هي العنوان المشترك للأحداث التي شهدتها مختلف محافظات اليمن فكانت الحصيلة 20 قتيلا وعشرات الجرحى في أمانة العاصمة ومحافظات تعز وإب والحديدة وعدد آخر من محافظات اليمن.

 المواجهات الأكثر عنفا تلك التي اندلعت مساء الأربعاء بصنعاء حين توجه عشرات الآلاف من المتظاهرين في مسيرات سلمية نحو مقر رئاسة الحكومة وإذاعة صنعاء كتدشين رسمي لإعلان الحسم الثوري عبر الزحف نحو المقار الحكومية تمهيدا للزحف نحو القصر الرئاسي، غير أن رد النظام كان عنيفا للغاية فقتل قناصة يرتدون زيا مدنيا بمساندة من قوات عسكرية وأمنية 13 شخصا وأصابوا نحو مائة آخرين عدد كبير منهم تعرضوا لطلقات نارية مباشرة فيما أصيب البقية باختناقات جراء غازات القنابل المسيلة للدموع.

الوضع كان مرشحا لما هو ابعد من ذلك بعد أن تعرضت ساحة التغيير لإطلاق كثيف للنيران تزامنت مع توجه وحدات من الأمن المركزي والحرس الجمهوري مدعومة بمصفحات واليات عسكرية نحو الأحياء المحيطة بالساحة في محاولة لاقتحامها، دون إدراك لخطورة اقتحام ساحة تعد يمنا مصغرا يضم ثوار من كافة مناطق البلد.. بمعنى أدق هي محاولة طائشة لقتل شعب اختار النضال السلمي طريقا لتحقيق أهدافه وتطلعاته.

التصعيد لم ينتهي هنا، وإنما بدأ يأخذ مسارا نحو ما هو أشد عنفا. وفي جمعة اسماها الثوار بـ"جمعة الحسم" توعد شباب الثورة بالوصول إلى المرحلة النهائية لثورتهم بعيدا عن أروقة الساسة ومطابخ الدبلوماسية العربية والغربية التي كشفت عن ازدواجية في التعامل مع قضايا الشعوب وتطلعاتها المشروعة.

على الطرف الآخر كان علي صالح يخطب في جماهير السبعين عقب "جمعة الوحدة" - كما هي تسمية النظام – ويصف شعبه بالقتلة وقطاع الطريق قبل أن يحذرهم من " اللعب بالنار".

وكما لو انه إعلان حرب قال صالح إن المؤسسة العسكرية والأمنية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أعمال العنف والفوضى التي تقوم بها "عناصر تخريبية تتبع تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض". وعاد محرضا ليتهم أحزاب المشترك بمحاولة ذبح الشعب اليمني وهدم ما بناه اليمنيون خلال 32 عاما، وهو هنا يخطأ مرتين، الأولى حين يختزل الشعب بشخصه ، والثانية حين يتشدق ببنية شهدتها اليمن خلال فترة حكمه وهو يعلم جيدا انه اليمن لا يزال يفتقر لأدنى مقومات البنية التحية سواء فيما يتعلق بالكهرباء أو المياه أو الطرق وشبكات الصرف الصحي، فضلا عن التعليم والصحة والاقتصاد التي تصنف وفق مؤشرات سلبية وخطيرة للغاية.

 وفيما اعتبره البعض دعوة للحرب الأهلية قال صالح أنه ما لم يتوقف اللقاء المشترك عن اللعب بالنار فان "الشعب اليمني سيكون مضطر في كل القرى والعزل والأحياء وإلي جانبهم المؤسسة العسكرية، ألا يقفوا مكتوفي الأيدي ، وسوف يردون الرد الشافي". وقبل أن يختتم صالح خطابه الأسبوعي بدعوة تكتل المشترك المعارض للحوار تحت أي مظلة وفي أي مكان، قال غاضبا: سنواجه التحديد بالتحدي.

ويبدو أن دماء مئات الشهداء الذين سقطوا منذ اندلاع الثورة الشعبية لم تشبع رغبة صالح بالانتقام من الشعب ولم تشفي غرائزه المتعطشة لمزيد من الدماء.

وكترجمة عملية لخطاب صالح المحرض للعنف فتحت قوات من الحرس الجمهوري النيران الحية على متظاهرين بمدينة إب كانوا يشيعون احد قتلى الأربعاء الدامي بصنعاء من أبناء المحافظة فدفن مع ثلاثة من مشيعيه قتلوا بنيرات الحرس التي أصابت أيضا 29 آخرين بجروح مختلفة. وفي نهار ذات اليوم هاجم مسلحون بزي مدني موقع عسكري في مديرية بني مطر بضواحي صنعاء يتبع الفرقة الأولى مدرع التي انضمت للثورة، وأسفر الهجوم عن مقتل احد جنود. قبل ذك وبعده قصف الطيران الحربي قبائل مديرية نهم لوقوفهم ضد تحويل محافظة حضرموت إلى ثكنة عسكرية تبيح دماء المواطنين.

تهديد بالحرب

لغة التهديد والوعيد التي تحدث بها صالح في خطابه الأخير تحمل مؤشرات عدة مثلما تقف وراءها أسباب مختلفة لا يمكن الأخذ بإحداها وإغفال لأخرى.

فما هو واضح ان خيار الحسم العسكري والزج بالبلد في أتون مواجهات مسلحة ومن ثم الحرب الأهلية هي آخر خيارات صالح للانتقال من مربع إلى آخر والبقاء على كرسي الرئاسة ولو لبرهة إضافية من الزمن، لكن صالح لم يستنفذ كل خياراته بعد. فالرجل لا يزال قادر على حشد شارع موال له، وبغض النظر عن الكيفية والكلفة فهو مستمر بالرد على كل جمعة للثوار بجمعة أخرى مع اختلاف المسميات والبقعة الجغرافية ومضمون الهتافات والأهداف، إلى جانب البون الشاسع بين ملايين الثوار وآلاف النظام.

وفضلا عن موازين القوة العسكرية والأمنية والمادية التي يرى صالح أنها لا زالت تصب لصالحه حتى اللحظة، فانه يظهر كما لو انه مسنود خارجيا سواء على مستوى الإقليم الذي يخشى في المجمل عدوى الثورات الشعبية، أو على المستوى الدولي الذي يتعامل بحسابات عالية الحساسية ومتغيرات أمنية دولية يحاول النظام استثمارها لصالحه.

والى جانب ما سبق فان خطاب التهديد الذي ألقاه صالح الجمعة الماضية يرجع بالدرجة الأولى إلى مخاوفه من زحف الثوار نحو قصره الرئاسي بعد أن بات الزحف واقعا عمليا في برنامج شباب الثورة، الذين عدوا الزحف نحو مقر رئاسة الوزراء والإذاعة بروفة أخيرة للزحف نحو القصر، خاصة بعد أن نجحوا في إغلاق مقر محافظة إب وعدد من المكاتب الخدمية في محافظات مختلفة. وجاءت تسمية الجمعة الأخيرة بجمعة الحسم كتأكيد من قبل الثوار أن العد التنازلي لبقاء صالح على كرسي الحكم قد بدأ بالفعل، فأراد الرجل التحذير من خطورة الإقدام على مثل هذه الخطوة وهو يشبهها ضمنيا باللعب بالنار ليصور نتائج كارثية لقرار الزحف نحو قصر الرئاسة، الذي لا يزال القرار الأخير من قبل الثوار لحسم ثورتهم إذا استمر علي صالح بمراوغاته و تلاعبه بثورة الشعب وقتل أبنائها.

وان كنا هنا لا نستطيع إخفاء المخاوف من تعطش النظام المستمر للدماء وما قد ينتج عن مواجهة الزحف السلمي لشباب الثورة بمعسكرات مدنية قام النظام بتجييشها أمام المؤسسات الهامة وفي الطرقات المؤدية إلى القصر الجمهوري ودار الرئاسة مزودة بالأسلحة النارية والبيضاء، الا أن الخسران الكبير سيكون من نصيب النظام إن فكر بسفك مزيدا من دماء اليمنيين ، كونه لن يجد بعد ذلك ملجئا يؤويه وسيكون هو ومحيطه الاجتماعي والسياسي في قائمة المطلوبين دوليا ضمن مجرمي الحرب.

قد يحاول النظام تصوير أي مواجهات من هذا النوع على إنها صدامات بين شعب موال وآخر معارض، إلا أن العالم اجمع بات يدرك سخف مثل هذه التكتيكات والخطط المكشوفة التي لعب عليها صالح زمنا طويلا ، والحقيقة الحقيقة التي يعلمها الجميع هي أن غالبية الموالين هم من جنود الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والبقية من المقربين والمحسوبين على النظام والحزب الحاكم.

هناك أمر آخر لا يقل خطورة متعلق بمحاولة النظام شق القبائل اليمنية واستعداء بعض أفرادها ضد البعض الآخر، حيث تمكن خلال الأيام الماضية من تجنيد عدد من أبناء القبائل ووزع عليهم الأسلحة والأموال ضمن ما اسماها لجان الحماية الشعبية، كنهج استنسخه من سلوك صديقه القديم الجديد معمر القذافي في ليبيا . غير أن غالبية القبائل اليمنية رفضت التعامل مع كتائب صالح ومخططاته الدموية بل وأعلنت عدد من قبائل مأرب والجوف وشبوة وصنعاء وغيرها من المناطق وقوفها مع شباب الثورة واستعدادها الكامل لتوفير الحماية لهم في المسيرات التي سيقومون بها، الا ان الثوار لا يحبذون أبدا أن ترافق مسيراتهم حماية مسلحة كون ثورتهم سلمية وصدورهم العارية أقوى من كل الدروع فيما عزيمتهم التي لا تلين ومطالبهم الحقه أقوى أنواع الأسلحة التي أثبتت فعاليتها في هز عروش الطغاة وزلزلتها.

مبادر الخليج .. موت سريري

في محاولة لإحياء المبادرة الخليجية لإنهاء الأزمة في اليمن قام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني السبت بزيارة إلى صنعاء دعا خلالها مختلف الأطراف اليمنية العودة إلى المبادرة التي بدت كما لو أنها تعيش حالة موت سريري إن لم تكن قد ماتت بالفعل، بعد أربع عمليات تقويم أجريت لها منذ ميلادها في العاشر من أيريل المنصرم.

ولم يجد المتحدث الرسمي لتكتل أحزاب المشترك محمد قحطان ما يصف به المبادرة الخليجية التي اضطر المشترك للموافقة عليها أكثر من مرة ومواجهة نقمة الشارع سوى اعتبارها في حكم الميتة ، وان شهادة الإعلان عن وفاتها أتت من الدوحة بإعلان دولة قطر انسحابها من مبادرة دول المجلس الذي لاقى ترحيب النظام والمعارضة والثوار معا.

وفيما يصر النظام على معاداة دولة قطر واتهامها بالتآمر، حيا شباب الثورة الموقف المشرف للدوحة واعتبروا انسحابها من المبادرة دليل قاطع على انحيازها لمطالب الشعب اليمني، وطالبوا بقية دول الخليج أن يحذو حذو قطر فجاءت الاستجابة سريعة من داخل مجلس الأمة الكويتي الذي طالب الحكومة الكويتية بالانسحاب من المبادرة ودعم ثورة الشعب اليمني.

والواضح أن صالح كان المستفيد الوحيد من المبادرة الخليجية التي وفرت له وقتا طويلا لاستعادة الأنفاس وترتيب صفوفه من الداخل بعد أن كانت قد تعرضت لانهيارات واسعة في الشهر الأول من عمر الثورة.

مقتل بن لادن ونهج استثمار الإرهاب

على عكس ما اعتقده البعض استفاد نظام علي صالح من قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، حيث بدا مركز قيادة التنظيم كما لو انه قد تحول من أفغانستان إلى اليمن، وهو ما تجلى من البيان المنسوب لـ"تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" الذي يتخذ من اليمن مقرا له ويرأسه ناصر الوحيشي الذي توعد الولايات المتحدة الأمريكية بما هو "أدهى وأمر" مما كان عليه الحال في حياة بن لادن.

وكعادة النظام في استثمار الإرهاب والتعامل معه كعصا غليظة يرفعها في وجه المجتمع الدولي يحاول النظام عبر كتبته ومحلليه الإيحاء للغرب بان انهيار النظام في اليمن سيعزز من قوة تنظيم القاعدة الذي قد يتمكن من شن هجمات في مناطق مختلفة حول العالم.

البيان المنسوب للقاعدة - والذي يبدو كما لو انه عد في دار الرئاسة بصنعاء - جاء ليعزز المخاوف الأمريكية والغربية عموما من تفاقم خطر الإرهاب في حال سقط نظام صالح الذي كانت واشنطن تعتبره حليفا استراتيجيها لها في حربها على الإرهاب وهي العلاقة ذاتها التي تربط الرجل بالرياض.

وبالتالي فان ما يأمله صالح أن تراجع واشنطن موقفها من رحيله عن السلطة. لكن الولايات المتحدة قد وصلت إلى قناعة بحتمية رحيل صالح إلا أن مخاوفها هذه قد تعمل على إطالة أمد بقاءه لإجراء ترتيبات من شانها ضمان استمرار حربها على الإرهاب، خاصة وان صالح قدم مؤخرا تنازلات غير مشروطة لواشنطن للعبث بسيادة البلد وامن مواطنيه مقابل غطاء سياسي يستجديه من واشنطن للبقاء في السلطة.

والأسبوع الماضي شوهدت طائرات استطلاع أمريكية دون طيار تحلق في ضواحي صنعاء ومحافظة مأرب لتقفي اثر أنور العولقي بعد تقارير غربية حديثة ذكرت أن أيمن الظواهري نائب بن لادن يعتزم الانضمام إلى الشيخ اليمني الذي يحمل الجنسية الأمريكية أنور العولقي لتشكيل قيادة جديدة.

ومن غير المستبعد أن يشهد اليمن خلال الأيام المقبلة تفجيرات لمنشات او سفارات غربية بصنعاء يمكن ان يقدم عليها النظام وينسبها للقاعدة لتأكيد المخاوف الغربية، خاصة بعد الدعوة الأخيرة للخارجية الأمريكية لانتقال فوري للسلطة في اليمن بعد أحداث الأربعاء الدامية وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها واشنطن هذه اللغة الحادة ضد النظام منذ اندلاع الثورة في اليمن.

ما لا يدركه صالح أن شباب الثورة لا يراهنون على الخارج لإسقاطه وأنهم وحدهم من سيتكفل بالمهمة التي يمكن القول إنها قد نجحت بالفعل ، على اعتبار ان النظام قد سقط منذ أسابيع عدة خلت وتبقى فقط مشهد النهاية الذي يبدو أن صالح يريده دمويا كما كان مشهد البداية في نهاية سبعينات القرن الماضي.

إقراء أيضا