الرئيسية المقالات مدارات الثورة في مواجهة الجيل الثاني من النظام
الثورة في مواجهة الجيل الثاني من النظام
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني
 

رحل صالح بالفعل، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن نظام صالح قد سقط، إذ لا يزال أبناءه وأقربائه من الدرجة الأولى يسيطرون على أهم أدوات النظام وتحديدا المؤسستين العسكرية والأمنية، ولا يبدوا أن العميد أحمد علي عبدالله صالح وإخوته وأبناء عمومته يعتزمون ترك السلطة أو التخلي عن مناصبهم الحساسة بسهولة.

وهو ما تأكد خلال الأيام التي تلت رحيل صالح للعلاج حين خلفه نجله أحمد الذي يقود الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بالإقامة داخل القصر الرئاسي بصحبة إخوته غير الأشقاء وأبناء عمومته فيما المعني دستوريا بالقيام بأعمال رئيس الجمهوري ونقصد هنا نائب رئيس الدولة الفريق عبدربه منصور هادي استلم قيادة البلد بشكل صوري من داخل منزله قبل أن يتم تخصيص جناح له داخل القصر تفاديا للانتقادات التي تعالت من قبل وسائل إعلام وساسة.

صحيح أن الفريق هادي يحاول أن يظهر في شخصية الرجل الأول في البلد في ظل غياب صالح وذلك ببحث الأزمة مع الوسطاء الدوليين وسعيه لعودة الهدوء في العاصمة بل وإصدار قرارات جمهورية كما حصل السبت بتعيين محافظاً جديداً لمحافظة لحج، إلا انه حتى اللحظة لم يذهب إلى مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة بوزارة الدفاع الذي يدير منه النجل الأكبر لصالح الهجمات العسكرية العنيفة على معاقل مزعومة لتنظيم القاعدة بمحافظة أبين الجنوبية بالتعاون مع طلعات جوية أمريكية نفذت مؤخرا عمليات قصف ومداهمة لمعاقل يعتقد أنها لتنظيم القاعدة وقتلت ما يزيد 20 شخصا بينهم قيادات لتنظيم ما يعرف بجزيرة العرب.

ومن هنا يمكننا معرفة القوة التي يتكأ عليها العميد احمد علي عبدالله صالح في تمسكه بالسلطة ومعه ابن عمه يحيى محمد عبدالله صالح الذي يقود الأمن المركزي وشقيقه الآخر عمار الذي يقود جهاز الأمن القومي وهؤلاء الشباب وآخرين معهم يعدون بمثابة الجيل الثاني المدلل أو المقرب من الإدارة الأمريكية.

فواشنطن وان وصلت إلى قناعة برحيل صالح ، إلا أنها غير مستعدة للتفريط بعدد من أبنائه الذين يشرفون على ملفات استخباراتية حساسة ويقودون قوات خاصة أشرفت على تجهيزها وتدريبها واشنطن للمشاركة في حربها ضد تنظيم القاعدة في اليمن الذي تعده الولايات المتحدة معقل احد اخطر فروع التنظيم حول العالم، وسبق للسفير الأمريكي بصنعاء أن طلب الإبقاء على أبناء صالح لاستمرار التعاون في محاربة الإرهاب.

ووسط حركة نشطة للدبلوماسية الغربية في اليمن لترتيب البيت اليمني كلا حسب مصالحه، أعلن شباب الثورة رفضهم المطلق للتدخلات الخارجية التي تستهدف إجهاض ثورتهم ونددوا بمواقف الولايات المتحدة الأمريكية وتحركات سفيرها بصنعاء الذي طالبوه باحترام إرادة الشعب اليمني. كما عبر الشباب عن رفضهم المطلق لمحاولة إحياء المبادرة الخليجية التي بدأت بعض الأصوات تطالب بإعادة تفعيلها لإنهاء الأزمة الراهنة، ودعوا القوى السياسية الممثلة بتكتل أحزاب اللقاء المشترك وكافة التكوينات الاجتماعية المساندة للثورة بسرعة البدء بتشكيل مجلس انتقالي يعمل على إدارة البلد حلال الفترة الانتقالية وتشكيل لجنة لصياغة الدستور ومن ثم إقامة انتخابات رئاسية وإصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية وتصفية مؤسسات الدولة من بقايا النظام.

الرصاص الحي حين يكون رمزا للفرح

هدأ العنف مؤخرا بصنعاء لكن أصوات الأعيرة النارية الحية لم تتوقف، إلا أنها هذه المرة مصوبة نحو السماء لا الصدور كتعبير عن فرحة مزعومة أبداها مناصرو صالح ومن ورائهم أجهزة عسكرية وأمنية والذين لم يجدوا ما يعبرون به عن فرحتهم سوى الأعيرة النارية التي أمطروا بها سماء صنعاء ومدن ومناطق يمنية عدة بتوقيت متزامن لليالي متتالية، تارة ابتهاجا بنجاة صالح من محاولة الاغتيال وأخرى بنجاح العملية الجراحية التي أجريت له، وثالثة باقتراب موعد عودته لليمن حد قولهم.

وفي اليمن من لم يمت بالعنف والاقتتال مات بالاحتفالات والفرح، حيث سقط نحو عشرة قتلى وما يزيد عن 200 جريح بنيران الحزب الحاكم الفرائحية والتي شاركت فيها مضادات الطيران ومختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والخفيفة.

والواضح أن وراء هذه الطريقة المغايرة التي انتهجها الحزب الحاكم للتعبير عن فرحته أهداف أخرى ورسائل عدة أرادت المؤسسة العسكرية توجيهها إلى الداخل والخارج بعيدا عن البهجة المصطنعة بعافية هي الأخرى لم تتأكد بعد. فرائحة البارود وأصوات الرصاص الحي لا يعبران عن شيء سوى العنف، وان حاول بقايا نظام صالح قلب المعادلة والظهور بعكس ذلك فإنهم في حقيقة الأمر أرادوا القول أن قوة صالح العسكرية لا زالت حاضرة مثلما هو حضور أنصاره المدججين بشتى أنواع الأسلحة، وبالتالي فان فوهات هذه الأسلحة التي صوبت مؤخرا نحو السماء يمكنها أن تتجه إلى الصدور وبصورة عشوائية للثأر في حال موت صالح أو محاولة منع عودته من قبل أي طرف، وهي أيضا رسالة للمجتمع الدولي وكل من تحدث عن إمكانية نقل السلطة بصورة سلمية في غياب صالح.

وأمام كل ذلك تبقى الكلمة الفصل لشباب الثورة الذين لوحوا باللجوء لخيارات عدة للانتصار لثورتهم وتضحياتهم المستمرة منذ نحو خمسة أشهر فلا صوت يعلو فوق صوت الثورة.

 

 

 

إقراء أيضا