الرئيسية المقالات مدارات ميلاد ناصر .. بعث أمة
ميلاد ناصر .. بعث أمة
عمرو  صابح
عمرو صابح

يحتفل كل الأحرار والشرفاء فى العالم بالذكرى الرابعة والتسعين لميلاد الزعيم العربى جمال عبد الناصرفي 15 يناير 1918م. الوحدوي نت

بمقاييس الزمن عاش عبد الناصر حياة قصيرة فقد رحل عن 52 عاما و 8 أشهر و 13 يوما ، ظهر فيها على مسرح التاريخ لمدة 18 عاما مثلت فصلا استثنائيا فى التاريخ العربى كله.

رحل عبد الناصر ولم تكتمل رسالته وبعد وفاته انقضت قوى الاستعمار العالمى متحالفة مع ذيولها من قوى الثورة المضادة والرجعية العربية على وطننا العربى لبتر تجربته والقضاء على نتائجها و تشويه ذكرى البطل الخالد الذى تركنا و نحن فى أشد الحاجة إلى صموده وصلابته وبعد نظره فى مواجهة قوى الهيمنة العالمية التى لا ترى الوطن العربى إلا كمصدر للبترول وسوق لتصدير منتجاتها.

رفض عبد الناصر أن يكون وكيلا للمصالح الامبريالية الأمريكية و لم يبادر أمريكا بعداء بل كان كل حلمه أن يضمن استقلال وتنمية الوطن العربى من أجل مصالح الشعوب العربية وليس لصالح الإستراتيجية الأمريكية العالمية، ونبعت خطورة مشروع وتجربة عبد الناصر من وجوده فى مصر أكبر و أهم قطر عربى يستطيع التأثير فى مصير الوطن العربى والعالم الثالث والعالم كله لذا شنت القوى الاستعمارية حروب ضارية ضد عبد الناصر و مشروعه وأفكاره فى حياته وبعد وفاته وحتى الآن .

 كان وجود عبد الناصر يمثل رادعا لكل الخونة والعملاء واللصوص والفاسدين .

 وبعد رحيله أصبحت الخيانة حكمة والاستسلام للأعداء بعد نظر وواقعية ، والنهب والسرقة وبيع ممتلكات البلاد و تبديد ثرواتها موائمة لروح العصر وإستثمار لا يدركه الناصريون و الوطنيون .

 وتعمقت القطرية البغيضة فى الوطن العربى وسادت الخلافات البيزنطية بين أبناء الدم الواحد و الدين الواحد و اللغة الواحدة والتاريخ المشترك . أثبت عبد الناصر أهمية دور الفرد فى التاريخ كما لم يثبته فردا قبله، فبعد وفاته اكتسبت الأمة العربية مصادر قوة جديدة أهمها الارتفاع الخرافى فى سعر البترول عقب حرب 1973 ، ولكنها فقدت فرد واحد هو ( عبد الناصر ) فتغيرت صورتها على هذا النحو المأساوى الذى نعيشه الأن .

 ظل عبد الناصر حتى رحيله طموحا وحالما لم يتوقف عن الحلم حتى لحظة وفاته ، فبعد تحقيقه لاستقلال مصر بعد 74 عاما من الاحتلال البريطانى وبعد قيادته مصر للنصر المدوى فى حرب السويس والذى تحول لنموذج لكل الشعوب والأمم المقهورة وكرس له مكانا بين عظماء الساسة فى العالم وضمن له مجد تاريخى لا يطاوله مجد لم يركن للراحة ، بل دخل فى معارك التنمية والتصنيع واسترداد الاقتصاد المصرى من الأجانب واليهود والطبقة المصرية العميلة للاستعمار

 وبدأ معركة بناء السد العالى وفى نفس الوقت كان يساند كل ثورات التحرير فى العالم العربى وفى أفريقيا و أسيا و على امتداد العالم الثالث .

وفى عام 1958 يحقق أول تجربة وحدة اندماجية فى التاريخ العربى الحديث ويتصدى بصلابة للاستعمار الامريكى الجديد الطامع فى المنطقة، وفى عهده تحقق مصر معدلات نمو اقتصادية غير مسبوقة ، وغير ملحوقة حتى الأن وبدون ديون، وتبنى السد العالى أعظم مشروع هندسى و تنموى فى القرن العشرين، وتبنى أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث إنجازات مهولة كانت تبدو مستحيلة قبل عبد الناصر، وأصبحت حلما بعيد المنال بعد وفاته المفاجئة .

تمتع عبد الناصر فى حياته وبعد وفاته بشعبية جارفة على امتداد الوطن العربى والعالم الثالث لم تحدث قبله ، ولا بعده لزعيم أخر.

 أحب العرب فيه روح التحدى والصمود والقدرة على المواجهة ورد الظلم والقهر الذى عانوا منه مئات السنين ، أحبوا فيه قدرته على التعبير عن مصالحهم و استرداد حقوقهم السليبة منذ قرون من الغياب التاريخى عن الأحداث .

 مع عبد الناصر دخل العرب التاريخ و بوفاته والانقضاض على تجربته بدأ خروجهم من التاريخ والذى يكاد الآن يصبح نوعا من الانتحار التاريخى وليس مجرد خروج مؤقت .

عاش عبد الناصر زاهدا فى متع الحياة كان البيت الذى يسكن فيه بيت مدير مدرسة الأشغال العسكرية قبل ثورة يوليو 1952 .

وكانت كل قطع الأثاث والأجهزة فى البيت عهدة لمدرسة الأشغال العسكرية وكان يفخر أن ملابسه وملابس أسرته صناعة مصرية.

 لم يمتلك عبد الناصر شيئا ولم يكن يريد شيئا سوى مصالح الأمة العربية ولم يورث أبناؤه أموال كغيره من الحكام فى العالم الثالث . وإن كان قد ترك لهم حب الملايين له ولنضاله ولمشروعه .

 ظل عبد الناصر حتى أخر يوم فى حياته مخلصا لطبقته وللفقراء الذين ثار من أجلهم وعاش ومات مدافعا عنهم يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل أن هناك خمس مقولات أساسية فى الناصرية صالحة لكل زمان هى :

 1 – أمة عربية واحدة ينبغي أن تتوحد

 2 – استقلال سياسي كامل لهذه الأمة

 3 – استقلال اقتصادي كامل لهذه الأمة

 4 – توازن اجتماعي بين طبقات الأمة

 5- مشاركة حرة فعالة من الأمة العربية في قضايا العالم

 هذه المقولات التي حاول عبد الناصر تحقيقها والتعبير عنها لن تموت لأنها السبيل لخلاص الأمة العربية مما تعانيه من تبعية وهزيمة حضارية الآن .

 جاء عبد الناصر تعبيرا عن حاجة الأمة إلى بطل حاول ، نجح ، و أخفق ، أصاب ، وأخطأ لكنه فى محاولاته كان وطنيا مخلصا لقضايا أمته أستطاع عبد الناصر أن يضع مصر فى قلب العالم العربى و أن يضع العالم العربى فى قلب العالم .

 لم يسعى خلف مصالح شخصية ضيقة بل عاش ومات شهيدا فى سبيل حرية و تقدم العرب .

 وبعد وفاته ورغم الحملات المضادة عليه ومحاولات تشويهه التى لا تنتهى مازال حيا فى قلوب الأحرار كرمز للنضال والتحرر والوحدة .

 عبد الناصر هو الزعيم العربى الوحيد الذى مازالت صوره ترفع فى كل مظاهرات الغضب العربى من المحيط إلى الخليج .

 هو الزعيم العربى الوحيد الذى يوجد له محبين فى كل الأقطار العربية و الأفريقية والأسيوية. بل مازال مشروعه قادرا على الإلهام ووصل أثر أفكاره إلى أمريكا الجنوبية ، فالرئيس الفنزويلى هوجو تشافيز صرح مرارا أنه ناصرى ويطالب العرب دائما باستلهام تجربة عبد الناصر .

 والزعيم الأسطورى نيلسون مانديلا يفتخر بأنه من تلاميذ عبد الناصر وعندما زار مصر سنة 1995 قال أنه يريد رؤية ثلاثة أماكن فى مصر الأهرامات ، نهر النيل ،و ضريح عبد الناصر، وقال لقد كان لدي موعد مع الرئيس عبد الناصر ، ولكنه تأخر ربع قرن .

 وعندما كانت مصر تتنافس مع جنوب أفريقيا على شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2010، وفازت جنوب أفريقيا بغالبية الأصوات وحصلت مصر على الصفر الشهير، صرح مانديلا الذي كان حاضرا فعاليات التصويت في المؤتمر الصحفي العالمي عقب فوز بلاده : (لو كان جمال عبد الناصر على قيد الحياة ودخلت مصر المنافسة أمام جنوب أفريقيا على شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم 2010 لانسحبت جنوب أفريقيا على الفور من الوقوف أمام مصر ولكن الظروف تغيرت الآن ومصر لم تعد مصر عبد الناصر).

 رحل عبد الناصر تاركا لمصر أرصدة ثمينة في أفريقيا ، و أسيا ، وأمريكا الجنوبية ، تم تبديدها بغباء منقطع النظير ، وبطريقة مشبوهة منذ عام 1974 في سبيل تبعية للولايات المتحدة الأمريكية تبدو حتى الآن غير مفهومة ولم تجر علينا إلا الكوارث .

توفى عبد الناصر شابا ولم تكتمل تجربته لسوء حظنا وليس سوء حظه فهو بما قدمه لأمته ضمن مكانه الخالد فى التاريخ البشرى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

 فكل مصيبة من مصائب الحياة يقل تأثيرها مع مرور الأيام إلا مصيبتنا كعرب بفقدان جمال عبد الناصر

 وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام على رحيل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 إلا إنه يبدو وكأنه غادرنا بالأمس .

 فصورته تحضر إلى العقل الجمعى العربي كلما واجهت الأمة العربية مشكلة. يبدو عبد الناصر الرمز عصيا على الموت والغياب.

 إن خير احتفال بذكرى ميلاد الزعيم الخالد هو تحويلها إلى ميلاد جديد للتيار الناصري الذي مني بنتائج كارثية فى الانتخابات التشريعية الأخيرة رغم دوره الواضح خلال الثورة ورغم أن صورة جمال عبد الناصر كانت هي الصورة الوحيدة المرفوعة فوق رؤوس الثوار في ميادين التحرير في مصر وعلى امتداد الوطن العربي.

ولنبدأ بوحدة التيار الناصري أولا

 كيف نحمل شرف رسالة و مبادئ عبد الناصر ونحن منقسمين إلى شيع و أحزاب وزعامات مختلفة ومتناحرة ؟

إن ميلاد عبد الناصر كان بعثا للأمة العربية كلها، وجاء استشهاده والانقضاض على تجربته لتدخل الأمة العربية كلها مرحلة انحطاط تاريخي نعانى جميعا من أثاره حتى الآن ، إن تلك الذكرى الخالدة لميلاد أعظم وأنبل عربي في التاريخ الحديث هى فرصة مواتية لبعث التيار الناصري و إلا ستظل مجرد بكائية على البطل الراحل .

 في الذكرى الرابعة والتسعين لميلاد جمال عبد الناصر آن الأوان لتحويل الزعيم إلى تنظيم قومي واحد يجمع كل الناصريين في شتى أنحاء الأرض تحت مظلة واحدة .

 لقد كان هناك جمال عبد الناصر واحد ورحل وهو بشخصيته المتفردة لا يتكرر ، إن كل تلك الزعامات التي حلمت باستنساخ الزعيم لم تفعل شيئا غير قيادة الناصرية من فشل إلى فشل، حتى بات وجود هؤلاء القادة عالة على التيار الناصري بعدما تفرقوا إلى شيع وأحزاب تتقاتل على مكاسب ذاتية ضيقة، وتبحث عن وجود إعلامي على ساحة العمل السياسي بدون فعالية على أرض الواقع .

 إن تلك الذكرى الخالدة ليست ساعة للبكاء على جمال عبد الناصر بل هي ساعة للعمل الذي أصبح الآن معقودا على عاتق الشباب العربي الناصري على امتداد الأمة العربية ، هذا الجيل من الشباب الذي ولد بعد رحيل الرئيس عبد الناصر ولم يره ولم يستفد من انجازاته بل جاء فى زمن الردة على الناصرية هو أمل التيار الناصري الآن ، جيل ناصري لم يساوم ولم ينتفع بناصريته ولم يتاجر بها ولم يربط نفسه بأنظمة عربية حاولت وراثة عبد الناصر .

 وجود هذا الجيل الشاب هو دليل صحة الناصرية وقدرتها على البقاء لأنه يمثل المستقبل ، فى هذا اليوم الخالد فى تاريخنا العربى حانت ساعة بعث الأمة العربية بشبابها الناصري.

 فى يوم ميلادك أيها البطل الخالد في قلوب الأحرار نعاهدك على بعث مشروعك من جديد .

 نعاهدك على التمسك بثوابت الناصرية التي أرسيتها.

 نعاهدك على تحرير أوطاننا من القهر والاستبداد والتخلف.

 نعاهدك أن نحقق حلمك بأن تمتلك الأمة العربية إرادتها وتأخذ مكانها الطبيعي في طليعة الأمم.

 في يوم ميلادك أيها القائد المعلم نقول لك :

  "طبت حيا وميتا أيها البطل الخالد في قلوب الأحرار، لم يذهب كفاحك سدى، ولم يضع نضالك هباء ،فمازال أبناؤك ومحبيك والمخلصين لفكرك وخطك السياسي على العهد وهم في ازدياد مضطرد ،وأغلبهم لم يعش عهدك ولم يرك ولم يستفد من إنجازاتك ،ولكنهم مؤمنين بك وبمشروعك ،وستظل للأبد رمزا للحرية والعدالة والعزة والكرامة ونصرة المظلوم يا حبيب الملايين".

 سلام عليك يوم ولدت يا ناصر الأمة .

إقراء أيضا