الرئيسية المقالات مدارات المبادرة الخليجية وإمكانية تحقيق أهداف الثورة
المبادرة الخليجية وإمكانية تحقيق أهداف الثورة
د. عبد الرشيد عبد الحافظ
د. عبد الرشيد عبد الحافظ
تباينت الآراء والمواقف من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الموقعتان في 23 نوفمبر الفائت. وبدا أن الكثير من المواقف جاءت نتيجة لقراءة سريعة أو سطحية لهما، أو أن هذه القراءة كانت مبنية على أفكار مسبقة رافضة لهما من الأساس !!.
وبعد أن أصبحت هاتين الوثيقتين حقيقة واقعة، ولا مفر من التعامل معهما، هل يمكن أن نعيد قراءتهما قراءة قانونية دقيقة بحياد إيجابي؛ لنتفهم مضامينها، من خلال نصوصها ذاتها دون أية ضغوط لأفكار أو مواقف مسبقة منها؟ هذا ما نحاول القيام به فيما يلي:
1ـ ينبغي أن يكون معلوماً أولاً أن هذه الاتفاقية وآليتها التنفيذية جاءت تحت ضغط الثورة الشعبية السلمية، وثمرة مباشرة لها. فلم يكن بالإمكان الوصول إلى مثل هاتين الوثيقتين بغير هذا الزخم الثوري المستمر حتى الآن؛ مثلما أن هذا الزخم الثوري هو الضامن الوحيد لتطبيق أحكامهما. وهذه ملاحظة أولية.
2ـ لقد ورد في البند رقم (2) من المبادئ الأساسية للاتفاقية أن الهدف منها هو ((تلبية طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح)). وفي هذا النص إشارة واضحة إلى الهدفين الرئيسيين للثورة، وهما: إزاحة النظام السابق، وإقامة الدولة المدنية المؤسسية الديمقراطية الحديثة، فهذا هو المعنى الوحيد لكلمتي (التغيير والإصلاح) الواردتين في هذا السياق، ولا يوجد أي معنى آخر لهما.
3ـ ينبغي أن يكون واضحاً أن هذه الاتفاقية وآليتها التنفيذية بمثابة إعلان دستوري ينظم أحوال الفترة الانتقالية، حتى إقرار الدستور الجديد. ومن ثم فإن أحكامهما ستعلو على أحكام الدستور القائم، وذلك بناءً على البند (4) من الآلية، ولأنه لا يمكن تطبيق أحكام هاتين الوثيقتين إلا من خلال هذا التكييف لهما.
4ـ بالتوقيع على هذه الاتفاقية وآليتها التنفيذية تم انتقال كامل للسلطة من رئيس الجمهورية إلى المرشح التوافقي نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، حيث تخلى الرئيس علي عبد الله صالح عن كل سلطاته، ولم يعد منذ اللحظة التالية للتوقيع متمتعاً بأية صلاحيات إطلاقاً. وهذا هو مقتضى تطبيق الاتفاقية وآليتها التنفيذية، وعلى وجه خاص نص البند (9) من الآلية الذي ينص على أنه (( في المرحلة الأولى [من الفترة الانتقالية] يمارس نائب الرئيس وحكومة الوفاق الوطني السلطة التنفيذية)) وهذا النص هو البديل لنص المادة (105) من الدستور التي تنص على أنه (( يمارس السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ضمن الحدود المنصوص عليها في الدستور)). أي أنه بموجب هذا النص حل نائب رئيس الجمهورية حلولاً كاملاً محل رئيس الجمهورية في كل سلطاته. وهذا النص صريح وواضح بعدم بقاء أية صلاحيات للرئيس السابق علي عبد الله صالح منذ التوقيع على الاتفاقية وآليتها التنفيذية، فالسلطة التنفيذية أصبح يمارسها الآن بموجب الآلية نائب رئيس الجمهورية والحكومة.
وبناءً على هذا الأساس أصبح علي عبد الله صالح منذ التوقيع على الاتفاقية وآليتها التنفيذية رئيسا سابقاً، ولا يجوز له مطلقاً أن يحمل صفة الرئيس منذ تلك اللحظة، ويجب أن يتوقف فوراً عن القيام بأي دور مهما كان هذا الدور هامشياً، ولا يجوز أن يتلقى رسائل أو تهاني، أو يرد على هذه التهاني والرسائل، وينبغي على كل أجهزة الإعلام الرسمية أن تتوقف فوراً عن إضفاء صفة الرئيس عليه، أو أن تقوم بأي تغطية لأي عمل يقوم به، وكل عمل من هذه الأعمال هو خرق صريح وواضح لأحكام الآلية.
ولا يمكن القول بأن الرئيس السابق بقيت له صلاحيات بروتوكولية، أو أنه أصبح رئيساً شرفياً بأي حال من الأحوال. فلا يوجد ما يشير إلى مثل هذه الصفة في الاتفاقية أو الآلية، وهي لا معنى لها أصلاً.
5ـ منذ التوقيع على الاتفاقية والآلية لا يجوز لمجلس النواب أن يمارس أعماله إلا وفق ما نصت عليه الآلية من أحكام في البند (8) ، ونصها(( يكون اتخاذ القرارات في مجلس النواب خلال المرحلتين الأولى والثانية [من الفترة الانتقالية] بالتوافق، وفي حالة تعذر التوصل إلى توافق حول أي موضوع يقوم رئيس مجلس النواب برفع الأمر إلى نائب الرئيس في المرحلة الأولى، وإلى الرئيس في المرحلة الثانية، الذي يفصل في الأمر، ويكون ما يقرره ملزماً للطرفين)).
وبناءً على ما ورد في هذا البند فإن جميع جلسات مجلس النواب التي عقدت بعد توقيع الاتفاقية وآليتها التنفيذية في غياب حالة التوافق تكون غير شرعية، وكل تشريع أو قرار صدر خلال هذه الجلسات يعتبر باطلاً، لعدم حصول التوافق عليها في كل هذه الجلسات. ولا يجوز لنائب رئيس الجمهورية إصدار أي تشريع أقره مجلس النواب خلال هذه الفترة.
والجدير بالإشارة هنا إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أن آلية اتخاذ قرارات مجلس النواب من خلال التصويت قد تعطلت، وأصبحت هذه الآلية محكومة بوضع التوافق على القرارات، ولم يعد بالإمكان حسم قرارات المجلس من خلال التصويت. ومعنى ذلك من الناحية القانونية أن مجلس النواب أضحى مجرد مجلس استشاري لا أكثر !!! وعلى الجميع إدراك هذه الحقيقة، والتعامل معها على هذا النحو، وإعادة ترتيب أوضاع المجلس وفقاً لذلك.
6ـ ينبغي إدراك أن المهمة الرئيسية لحكومة الوفاق الوطني المشكلة بموجب الاتفاقية والآلية هي: البدء فوراً بتنفيذ عملية الإصلاح والانتقال إلى حكم ديمقراطي رشيد، وفقاً للبند (ا ـ ت) من الآلية ونصه ((أن هذا الوضع يتطلب وفاء جميع الأطراف السياسية بمسئولياتها تجاه الشعب، عبر التنفيذ الفوري لمسار واضح للانتقال إلى حكم ديمقراطي رشيد في اليمن)). وكذلك البند (13ـ ت، ث) المؤكِّد لهذا المعنى. وهذا بالطبع إلى جانب المهام الأصلية الاعتيادية للحكومة مثل: تحقيق الأمن والاستقرار، وتلبية الاحتياجات الأساسية والخدمات اللازمة للحياة اليومية في البلاد ...الخ.
وهذا الفهم لمهمة حكومة الوفاق ينبغي أن يظل حاضراً وراسخاً في الأذهان، فليست هذه الحكومة حكومة عادية، بل حكومة استثنائية بمهام محددة، جاءت في ظروف استثنائية ناتجة عن حالة ثورية قائمة، لتلبي التطلعات والمطالب الشعبية التي أفصحت عنها هذه الثورة، والمتمثلة في البدء بالإصلاح والانتقال إلى حكم ديمقراطي رشيد، أي البدء بخطوات تأسيس الدولة اليمنية الديمقراطية المؤسسية الحديثة الذي كان الهدف الرئيسي للثورة الشعبية السلمية، وأي خروج عن هذا الفهم يمثل هروباً من تنفيذ الالتزامات التي تفرضها الآلية.
7ـ لضمان تطبيق الهدف السابق اشترطت الآلية في البند (10 ـ ب) (( أن يكون المرشحون للحكومة على درجة عالية من النزاهة والالتزام بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي))، وبموجب هذا النص ينبغي الاعتراض على أي شخص مرشح لمنصب الوزير يفتقر إلى هذه الصفات، كما يمكن في أي وقت عزل أي وزير إذا تبين وجود دلائل جدية تتعلق بعدم نزاهته أو عدم احترامه لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وينبغي التمسك بحكم هذا النص وعدم التهاون في تطبيقه بأي حال من الأحوال. ويسري هذا الأمر على كل القيادات السياسية والإدارية المدنية والعسكرية والأمنية.
8ـ أعطت الآلية أهمية للحوار مع الشباب الثائرين المعتصمين في الساحات، لتوضيح هذه الاتفاقية، والحوار حول مستقبل البلاد، وهي تشير بوضوح إلى شرعية البقاء في الساحات (البند 15ـ خ)، وضرورة الحوار معهم في هذه الساحات فوراً.
9ـ بمقتضى البند (18 ـ ت) من الآلية الذي ينص على أن ((يلتزم الطرفان في هذه الاتفاقية بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة، أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي)). وإذا أضفنا القيد الوارد في البند (8) بشأن اتخاذ قرارات مجلس النواب، فلن يكون هناك سوى مرشح وحيد للانتخابات الرئاسية المبكرة هو عبدربه منصور هادي، وستكون الانتخابات عبارة عن استفتاء بنعم أو لا على المرشح الرئاسي.
10ـ فيما يتعلق بالحصانة المشار إليها في البند (5) من المبادئ الأساسية للاتفاقية، والبند (3) من الخطوات التنفيذية للاتفاقية، وكذلك البند (9) من الآلية، فينبغي إدراك أنه بموجب نصوص الاتفاقية وآليتها التنفيذية لن تكون هناك إلا ضمانات محدودة لصالح وأعوانه. وأقصى ما يمكن منحه من ضمانات لهم ـ بحسب القراءة القانونية الدقيقة للاتفاقية والآلية ـ لن يتجاوز ضمانات عدم القيام بإجراءات انتقامية ضدهم أو ملاحقتهم بمناسبة ممارستهم لمهامهم السياسية العامة (انظر تفاصيل هذا الرأي في مقال "وهم الحصانة" المنشور على موقعي التغيير نت والوحدوي نت على الرابطين [
http://www.al-tagheer.com/arts11988.html
] [
http://www.alwahdawi.net/articles.php?id=670
] . ومن ثم فإن منح أي نوع من الحصانات يتجاوز ذلك سيكون تجاوزاً للاتفاقية والآلية ومطعون بشرعيته. ويجب أن يتم منح هذه الحصانة في إطار تنفيذ البند (21 ـ ح) من الآلية الخاص بتحقيق العدالة الانتقالية، بعد انعقاد المؤتمر الوطني، حتى لا تتعارض هذه الحصانة مع ما يقتضيه تحقيق العدالة الانتقالية.
 11ـ من المهم التأكيد على أن هناك ضمانات واقعية لتنفيذ هذه الاتفاقية وآليتها التنفيذية والمتمثلة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014، وكذلك ضمانات الشركاء الإقليميين والدوليين الذين رعوا التوصل إلى هذه الاتفاقية، وهذا ما أكدته نصوص الاتفاقية في البند (عاشراً) ، وكذلك الآلية التنفيذية في البندين (28، 29) منها، وهذه الضمانات المعترف بها تعزز من إمكانية تنفيذها خلافاً لوثائق أخرى سابقة لم تتوفر لها مثل هذه الضمانات مثل وثيقة العهد والاتفاق.
هذه قراءة قانونية لأهم مضامين اتفاقية المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وفي اعتقادي أنه بالإمكان من خلال التنفيذ الكامل والصارم لأحكامهما تحقيق كل أهداف الثورة الشعبية السلمي، وإن كان ذلك على مراحل متعددة، إذا تم الالتزام بالتالي:
(أ) الالتزام الكامل والصارم من قبل الحكومة بأحكام المبادرة والآلية، وهذا يقتضي الآتي:
 1ـ الالتزام الفوري الصارم بأحكام القوانين، ومعايير الحكم الرشيد في عمل كل أجهزة الدولة ومؤسساتها، وعدم التغاضي عن أي تجاوز أو خرق للقانون سواء في إطار الوزارات والمؤسسات التي تقودها المعارضة أو الوزارات والمؤسسات الأخرى.
2ـ الالتزام الصارم بمعايير الكفاءة والنزاهة في تعيين العناصر القيادية في الوزارات والمصالح والمؤسسات، سواء تلك التي من نصيب المعارضة أو غيرها، وإيقاف العناصر الملوثة عن العمل تمهيداً لاتخاذ إجراءات قانونية ضدها.
3ـ التزام كل الوزارات والأجهزة والمصالح التابعة لها وكل المؤسسات بمبدأ الشفافية في عملها، وأن تكون كل الوثائق والبيانات متاحة للوسائل الإعلامية المختلفة.
4ـ إيجاد أدوات رقابية رسمية كُفئة قادرة على مراقبة أداء الحكومة وأداء الأجهزة والمصالح والمؤسسات التابعة لها(تفعيل دور الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة).
(ب) قيام رقابة شعبية قوية وضاغطة على أداء الحكومة، من خلال رقابة شعبية داخل كل مصلحة حكومية، والكشف الفوري عن أية مخالفات قد تحصل، أو تقاعس عن عملية الإصلاح.
(ج) بقاء الاعتصامات في الساحات، واستمرار ضغوطها في اتجاه إنجاز كل أهداف الثورة.
 

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي