الرئيسية المقالات مدارات مصر - الجزائر: أمر مخجل حقا
مصر - الجزائر: أمر مخجل حقا
علي حماده
علي حماده
لم يكن ينقص العرب سوى ان يقتتلوا في ما بينهم بسبب مباراة كرة قدم لن تقدم او تؤخر في حياة 
80 مليون مصري و40 مليون جزائري يعيش معظمهم في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية لا يحسدون عليها. ولم يكن ينقص جامعة الدول العربية سوى ان تصير في حالة استنفار لفك الاشتباك المصري – الجزائري، فيما تقف عاجزة امام ازمة اليمن المتفاعلة على كل الصعد، والتي تتحول ازمة اسلامية – اسلامية، وعربية – فارسية في آن واحد. 
انتهت مباراة مصر – الجزائر في السودان باشتباك سياسي – اعلامي – شعبي بين بلدين دفعت في اتجاهه التوظيفات السياسة في البلدين: فالتحريض الاعلامي والشعبي كان م
ن صنع السياسة في البلدين : في مصر المأزومة بخلافة الرئيس حسني مبارك، والجزائر المأزومة بمعادلة الرئيس بوتفليقة – الجيش في الحكم. فتحولت المباريات احتشاداً سياسياً لابناء الرئيس مبارك من جهة، ولاخوة الرئيس بوتفليقة من جهة اخرى، فيما سخرت كل وسائل الدعاية ا
لعدوانية من كل طرف في حق الطرف الآخر. وما كانت الاعتداءات الاولى التي استهدفت الفريق الجزائري في القاهرة قبل ساعا
ت من مباراة الذهاب سوى فرصة ذهبية استغلها الحكمان، وخصوصا بعدما بدأت الاعتداءات على المواطنين المصريين في الجزائر. وهنا يتفق المراقبون على ان القيادتين السياسيتين في البلدين عملتا على تأجيج المشاعر، وتهييج الناس، و"ابلسة" الفريق الآخر، وركوب الموجة الشوفينية المتخلفة في كلا البلدين.
نحن لا نذهب مذهب القائلين بكلام انشائي بأن الانتماء الى أمة عربية واحدة ينبغي ان يغلب كل اعتبار آخر. فالتنافس، وحتى التنابذ يحصل ضمن الدوائر الصغرى. ولا نقول ان المهم ان يتأهل فريق عربي، بل نقول ان المهم ان يتأهل الفريق الافضل أكان عربيا ام افريقيا. وأبعد من ذلك، نقول إن الصدامات بين جماهير المشجعين ليست مسألة غريبة، بل انها حصلت وتحصل وستحصل في كل مكان. فالهوليغانز الانكليز الذين أشعلوا ملاعب كرة القدم وشوارع المدن الاوروبية المضيفة بالشغب والتكسير، وقبل منعهم من ارتياد الملاعب، لم يتسببوا بإشعال صدامات سياسية بين الدول، ولم يشعلوا حروبا قومية جديدة في اوروبا. وتركت الامور لمعالجات الاجهزة الامنية، واتحادات الكرة والفرق المعنية. ولعل الدرس الكبير الذي نتوقف امامه لنتعظ، ما حصل في مباراة التأهيل الاخيرة بين فرنسا وايرلندا، وقد تسبب خلالها اللاعب الفرنسي تييري هنري بلمسه الكرة بيده بتسجيل هدف الانتصار الذي أهّل فرنسا للادوار النهائية واخرج ايرلندا. لم يخرج الايرلنديون لمحاصرة سفارة فرنسا في دبلن، ولم يخرج السياسيون ليتساجلوا بالردح والشتم. حتى اللاعب تييري هنري اعترف بخطئه ورأى أن طلب ايرلندا إعادة المباراة محق. ومن تابع وسائل الاعلام الفرنسية لاحظ كيف ان معظم المعلقين، ان لم يكن جميعهم، اعترفوا بالخطأ، وتواضعوا امام موقف ايرلندا، واحسوا بكثير من الخجل بالانتصار الناقص. ومع ان الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يقبل بإعادة المباراة وثبت انتصار فرنسا، لم نشاهد في باريس مظاهر فرح صاخبة، ولا شهدنا في دبلن مظاهر شغف غاضبة. والاغرب ان تتزامن مباراة مصر – الجزائر وفرنسا – ايرلندا، وان تشتعل مدن فرنسا من مارسيليا الى باريس بتظاهرات سيارة حولت الليل نهاراً، حتى اغلقت جادة الشانزيليزيه، لا بسبب مباراة فرنسا وإنما بسبب مباراة الجزائر!
ان الصخب المصري – الجزائري حول المباراة سياسي، واسبابه داخلية، والجماهير سيقت الى حيث اراد الرعاة، هي نفسها الجماهير التي تشتعل دوريا امام الفضائيات، وهي مأخوذة بمن يوظفون آلام الناس في سياقات مصالح سياسية باردة تزيد الصدوع في الجسم العربي، وتؤجج الفتن في كل مكان. انظروا الى لبنان وغزة واليمن....
انه لأمر مخجل حقا!
 النهار

إقراء أيضا

وليد أبو حاتم
وليد أبو حاتم
إبراهيم العشماوي
إبراهيم العشماوي