الرئيسية المقالات مدارات البحث عن «الثروة» في اليوبيل الذهبي ل«الثورة»
البحث عن «الثروة» في اليوبيل الذهبي ل«الثورة»
عادل عبدالمغني
عادل عبدالمغني

بنبرة حزينة تنم عن الإحباط واليأس، ولغة لا تخلو من التهكم رد عماد على تساؤلاتي له حول اليوبيل الذهبي لثورة سبتمبر 62م بالقول: عن أي ثورة وأي ذهب تتحدث؟ واستطرد: "ثوراتنا عقيمة واحتفالاتنا بها نوع من التزييف والكذب".

الشاب الثلاثيني المحبط أنهى دراسته الجامعية العام 2003م لكنه لم يحصل على وظيفة حكومية حتى اليوم، وعوضاً عن تخصصه في الجغرافيا يعمل عماد في ورشة ألمنيوم ليتمكن من إعالة أسرته المكونة من ثلاثة أطفال, فضلاً عنه وزوجته، لكن الظروف السيئة التي تعيشها البلاد جعلت من مهنته البديلة أشبه بـ"الهم الذي رضينا به ولم يرضى بنا" حسب تعبير عماد الذي قال إن العمل في الورشة بات شبه متوقف بسبب الركود الاقتصادي في البلد. وبالعودة إلى ثورة سبتمبر عاد عماد إلى حدته مجدداً وقال" ولدت وعمر ثورة سبتمبر 20 عاماً وعشت معها إلى أن بلغت سن الخمسين، وقبل أن نلمس خيرات هذه الثورة المسنة اندلعت ثورة جديدة, وعلقنا عليها الآمال العراض, لكن يبدو أنها تسير بذات الطريق الذي سارت عليه الثورة الأم ولم يعد لدي استعداد لأنتظر نصف قرن آخر حتى تأتي ثورة ثالثة".

عماد الذي يتحلى بثقافة عالية تدل على شغفه بالقراءة والاطلاع قال إنه حزين من أجله والملايين من أبناء شعبه الذين يسيرون من سيء إلى أسوأ وكأن التعاسة قدرهم في بلد اشتهر بالسعيدة.

على طريقة عماد احتفل غالبية اليمنيين الأربعاء الماضي باليوبيل الذهبي لثورة الـ26 من سبتمبر عام 1962م في أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية هي الأسوأ في تاريخ اليمن الحديث، وهي الظروف التي ألقت بظلالها على الذكرى الأهم في تاريخ البلد, وسلبت أبنائه فرحتهم بها.

وعدا المظاهر الفرائحية المصطنعة عبر الإعلام الرسمي اقتصر الاحتفال بالمناسبة على وحدات رمزية من طلاب الكليات العسكرية وبغياب رسمي ودبلوماسي واضح.

ومثلما هي المرة الأولى التي يتم الاحتفال بعيد الثورة بغياب رئيس الدولة المتواجد حالياً في زيارة خارجية لطلب الدعم والمساعدة لبلده, الذي يقاوم الانهيار بصعوبة، هي المرة الأولى أيضا منذ عقود مضت التي تقام فيها الاحتفالات بعيد وطني داخل إحدى الكليات العسكرية بدلاً عن ميدان السبعين المخصص لمثل هذه المناسبات.

والمؤكد أن الهاجس الأمني كان وراء مثل هذه الإجراءات الاحترازية التي رافقت إحياء الذكرى الخمسين للثورة اليمنية, والتي صاحبها إغلاق لعدد من الشوارع الرئيسية داخل العاصمة صنعاء وإعلان الجاهزية القصوى في الوحدات العسكرية والأمنية، وربما هي المخاوف ذاتها التي غيبت الرئيس هادي عن حضور الاحتفالات، فليس من قبيل الصدفة أن تتزامن زيارة هادي إلى بريطانيا وأمريكا وألمانيا مع العيد الذهبي للثورة اليمنية الأم، وهو ما يشير إلى أن الرجل يدرك أنه بات مستهدفاً من قبل أكثر من عدو.

المفارقات التي صاحبت ذكرى ثورة سبتمبر هذا العام لم تنته عند هذا الحد، بل امتدت لتجميل الوجه القبيح للأسرة الملكية التي حكمت اليمن منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى مطلع ستينيات القرن الماضي. وانبرت شخصيات سياسية وإعلامية للحديث بإيجابية عن رموز الحكم الملكي في اليمن قبل الثورة والمطالبة بعودة أبناء أسرة حميد الدين وتمكينهم من أموالهم وأراضيهم التي صادرتها الثورة السبتمبرية، في محاولة لزج أطراف جديدة في دوامة الأزمات اليمنية المتداخلة والمركبة.

ثورتا سبتمبر وفبراير.. تماهي أم تباين؟

حمل اليوبيل الذهبي الذي حل في ظل إرهاصات ومتغيرات جديدة فرضتها الثورة الشبابية الشعبية, التي اندلعت العام الماضي، الكثير من الدلالات والقراءات التي تباينت من طرفٍ لآخر. وبين من يرى في هذا التزامن تأكيداً على أن ثورة سبتمبر التي اندلعت قبل خمسين عاماً قد شاخت ولم تعد قادرة على تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها لتكون ثورة فبراير هي الثورة البديلة، يرى آخرون أن الثورة الشبابية الشعبية التي اندلعت العام الماضي أتت استمراراً وتجديداً لثورة سبتمبر باعتبارها الثورة الأم التي وإن لم تحقق جُل أهدافها إلا أنها نقلت اليمنيين من حياة القرون الوسطى إلى رحاب القرن العشرين, وهي التي أتت لحاجات إنسانية قبل كل شيء.

ومع اختلاف أدوات ووسائل التغيير التي انتهجت في كلا الثورتين باختلاف العصر، إلا أن الأهداف لم تتغير رغم مرور نحو خمسة عقود، وكما هبَّ اليمنيون قبل نصف قرن للتخلص من الحكم الأسري البغيض الذي غيَّب أبناء الشعب اقتصادياً وصحياً وثقافياً وعلى مختلف الأصعدة، كانت الأسباب ذاتها على رأس أهداف ثورة فبراير الشعبية عام 2011م.

 تشابه البدايات والأهداف يدفع البعض للتعبير عن مخاوفه من تشابه النتائج والنهايات بين ثورة الأجداد وثورة الأحفاد، وأن تتعرض ثورة فبراير لذات الارتداد والمؤامرات التي تعرضت لها ثورة سبتمبر التي ظل معها اليمن في حالة حرب مستمرة منذ تفجير الثورة العام 1962م حتى العام 68م بين طرفين الأول ملكي يؤيد النظام السابق ومدعوم من قوى داخلية وحسابات خارجية، والآخر جمهوري يدافع عن النظام الجديد، في ظل تجاذبات إقليمية ودولية لعبت دوراً في كلا المعسكرين المتصادمين في اليمن آنذاك.

وما أشبه اليوم بالبارحة عند المقارنة بين المناخات التي عاشتها البلد عقب ثورة سبتمبر قبل نصف قرن من الزمان, ومناخات ما بعد ثورة فبراير في الوقت الراهن. فالقوى الإقليمية التي أجلت نجاح ثورة سبتمبر ستة أعوام كاملة هي ذاتها التي تعيق نجاح ثورة الشباب مع فارق أن إعاقة ثورة الشباب تتم بحرب باردة على عكس ما حصل في ستينيات القرن الماضي من مواجهات مسلحة وحصار للعاصمة صنعاء من قبل فلول الملكية البائدة.

والمؤكد أن ما يجري اليوم أكثر حضوراً للتدخلات الخارجية في اليمن التي تحولت إلى ساحة للتجاذبات وتصفية الحسابات.

ثورة دون ثروة

قبل أن ينصرف عماد باتجاه سيارة أحد المقاولين التي توقفت للتو أمام ورشة الألمنيوم التي يعمل فيها سألني على عجل: هل تتوافق مؤشرات التنمية مع عدد السنوات التي خلت من عمر ثورة سبتمبر؟ ثم واصل سيره نحو المقاول عله يحصل على فرصة عمل ليوم أو أيام متتالية، بينما انهمكت أنا بالبحث عن إجابة للشاب الحالم بوطن ينعم مواطنوه بأهداف ثورتهم وخير ثرواتهم، وهو ما لم يلمسه اليمنيون بعد نصف قرن على ثورتهم.

ومع أن أول أهداف ثورة سبتمبر كان القضاء على الفقر والجهل والمرض، إلا أنه وبعد خمسين عاماً على قيامها لا زال نحو نصف اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر, ويعاني أكثر من أربعة ملايين طفل من سوء حاد في التغذية.

وبعد نصف قرن من الثورة تقول تقارير التنمية المعدومة في البلد أن اليمن ضمن الدول الأعلى في أميَّة القراءة والكتابة بنسبة تزيد عن 50 بالمائة من عدد السكان, وترتفع إلى 65 بالمائة في صفوف الإناث. قطاع الصحة هو الآخر يعاني من انهيار وشيك ويقدم خدمات رديئة للغاية، ويحتل اليمن المرتبة 140 من بين 190 دولة حول العالم في مستوى الخدمات الصحية. ولكل عشرة آلاف شخص في اليمن لا يوجد سوى ثلاثة أطباء فقط وصيدلي واحد.

بعد خمسين عاماً من الثورة ليس هناك سوى طبيب واحد لكل 79 ألف شخص في اليمن، ولكل عشرة آلاف مواطن ليس هناك سوى 0.1 بالمائة من المستشفيات وسبعة أَسِرَّة.

بناءُ جيشٍ وطني قوي هدفٌ آخر من أهداف ثورة سبتمبر 62م، بينما يحتفل اليمنيون بالعيد الخمسين للثورة بجيش مقسم الولاءات والتبعية. وفيما تحققت الوحدة اليمنية في العام 90 كأحد أهداف الثورة السبتمبرية، إلا أن هذا الهدف تتهدده أخطار التمزق ودعوات الانفصال.

الصورة سوداوية للغاية لكن أبواب الأمل تظل مشرعة بثورة الشباب التي أتت استمراراً للثورة السبتمبرية الأم وتحقيقاً لأهدافها التي أعيقت مع سبق الإصرار والترصد.

إقراء أيضا